فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بالأعمال، وأقول: إن العمل في نفسه لا يتسبب عنه الدخول لولا أن الله جعله كذلك في حكمه وشرعه، وجعله سببا إنما هو بفضله ورحمته، ولو شاء لم يجعله سببا ولكن جعله كذلك في كتبه، وعلى السنة رسله، فلا سبيل إلى الجنة إلا من طريقه، فلا ندعه وتطمع في رحمة الله، فإن رحمته كتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة والذين هم باياته يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، فإن راقتك [1] هذه الأجوبة فخذها وإن وفقت لخير منها فهاته.
وإن لم تر سبيلا لدفع التعارض بين الآيات والحديث فالقرآن أولى بالتقدمة.
5- الأعمال الطيبة كثيرة:
كالصلاة، والصدقات، والصيام، وقراءة القرآن والانتصار للمظلومين، ونشر العلم بين الطالبين، والجد في خير الناس، والأعمال الطيبة من شأنها تغذية الإيمان وتقويته. وإعلاء النفس وإكبارها والقصد في العمل سبيل إدامته والمواظبة عليه.
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال إلى الله وأولاها بالقبول والثواب ما داوم عليه صاحبه وإن قل. لأن المداومة فيها تغذية الإيمان في كل وقت. فلا تذبل شجرته وفيها ترقية دائمة للنفوس. فهي دائما صاعدة في درج الكمال. ولا كذلك الإجهاد الذي يقعد بالإنسان عن العمل، فتذوي [2] شجرة الإيمان، وتضعف نفسه عن مكافحة الشدائد، ويشطب اسمه من ديوان العاملين المجاهدين، ويقيد في سجل الكسالى العاطلين، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها بأن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم كان ديمة أي دائما لأن الديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون، بلا رعد ولا برق، والمراد بالدوام الدوام العرفي وهو الإتيان بما يطلق عليه اسم المداومة عرفا، لا شمول الأزمنة إذ هذا غير مقدور.
72- باب: حق الله على العباد وحقهم عليه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينما أنا رديف النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليس بيني [1] راقتك: أعجبتك. [2] تذوي: تذبل.