54- باب: ذو الوجهين
عن أبي هريرة قال النّبي صلى الله عليه وسلم: «تجد من شرار النّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الّذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» . [رواه البخاري ومسلم وأبو داود [1] ] .
من الناس من يظهر لك إذا قابلك أنه صديقك الحكيم، والحريص على مصلحتك الساعي في منفعتك، وأنه عدو لعدوك، وأنه حرب عليه مثلك ناصب له حياة الشر، فتغتر بقوله، وتنخدع بوشيه، فتفضي إليه بسر نفسك وتبوح له بخبيئة أمرك، وتحدثه عن عدوك؛ وبما تنقم منه؛ وتعيب عليه، وما تدبره له أو تتقي به شره وضره وكيده ومكره. فإذا ما فارقك ذهب إلى عدوك وباح له بكل سرك؛ ودخيلة نفسك؛ وطعن له في عرضك ونال من شرفك، وأظهر له أنه عدو لك وحرب عليك، وأنه له الصديق الوفي فتطمئن نفسه إليه وينطق فيك بالذم وفي عرضك بالنهش ثم يحدث هذا بما فكر فيه وقدر، وبيت له ودبر، فيذهب به إلى الأول، ويقصه عليه قصا، حتى يوغر صدره [2] إيغارا، ويشعل في قلبه نارا، فيزداد العداء؛ وتربو الشحناء؛ وهكذا دواليك بين الإثنين أو الحزبين؛ حتى تتأجج نيران العداوة وترمي بشرر كالقصر؛ فمثل هذا منافق كذاب، مختال [3] خداع، غشاش نمام، فكان لا ريب عند الله من الأشرار، حريا بصلي النار؛ وهذا هو ذو الوجهين المتلون بلونين، اللابس لباسين؛ وليس منه من يسعى بالإصلاح بين خصمين أو حزبين متعاديين، فيحكي لكل فريق أحسن ما قال الآخر فيه، ويسكت عما ذكر من مساويه، ويعتذر لكل عما كان من الآخر من دواعي الخصام وأسباب العداء، حتى ينزع الكراهة من نفسهما نزعا، ويزرع المحبة في قلوبهما زرعا؛ فإذا بالخصمين صديقان، وبالعدوين [1] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما قيل في ذي الوجهين (6058) . ورواه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: خيار الناس (6401) . ورواه أبو داود في كتاب، الأدب. باب: في ذي الوجهين (4872) . [2] يوغر: يمتلأ غيظا وحقدا. [3] مختال: ختله: خدعه عن غفلة ورواغه.