التألف له كان من تمامه ألا يذكره بسوء قد يصل خيره إليه. وإذا كان الغرض المداراة كفى فيها مقابلته له بحال عادية ليس فيها تصنع؛ ثم كيف يظهر على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف ما في نفسه؛ ووجهه مرآة قلبه؛ ثم هل كان عيينة بدرجة من القوة والشر بحيث يخشاه الرسول صلى الله عليه وسلم ويداريه؟ أما جواب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه الحق لا مرية فيه.
فإنه لم يكن فاحشا في حال من أحواله. وصدق فيما قال. أما أن يظهر للإنسان خلاف ما في نفسه ويبدي له البشاشة وفي قلبه الكراهة، فذلك ما نجل عنه مقام الرسالة.
وبعد: فالرجاء إليك أن تكون حبا للمسلمين لا ضدا. وسلما لهم لا حربا، وأن تدع شر الأعمال لتجانب شر المنازل عند الدّيان، واعلم أن قوة الله فوق كل قوة.
وأن بطشه شديد، فلا تغتر بقوتك، ولا ترعب الناس بسطوتك [1] ، فيأخذك القهار أخذ عزيز مقتدر، يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام.
53- باب: النميمة وعقابها
عن حذيفة قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنّة قتّات» ، وفي رواية: «نمّام» . [رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي [2] ] .
اللغة:
القتات: النمام، يقال: وقت الحديث يقته قتا إذا زوّره وهيأه وسواه، وقيل النمام: الذي يحضر القصة فينقلها، والقتات: الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه. والنمام: الذي ينقل حديث الناس بعضهم في بعض على وجه الوشاية [3] والسعاية والإفساد، والنميمة: الوشاية، وأصلها الهمس والحركة الخفيفة.
ويقال: نم ينم وينم نما ونميما. النميمة: الإسم، والرجل نم، ونموم ونمام، ومنم.
وهي نمة. [1] بسطوتك: قوتك وبطشك. [2] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما يكره من النميمة (6056) . ورواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم النميمة (287) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في القتات (4871) . رواه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في النمام (2026) . [3] الوشاية: وشى الكلام: كذب فيه وألّفه ولوّنه.