أو هو دنّ من القاذورات؛ إن اقتربت منه أو نبشته هبت عليك رائحته الخبيثة، ولوثتك نجاسته الغليظة؛ فالسلامة منه في مجانبته؛ أو متاركته ومسالمته؛ هذا أسوأ الناس منزلة يوم القيامة لأنه وباء على المجتمع؛ وهل منزلته السوأى إلا جهنم؛ يصلى سعيرها ويعاني لهيبها؛ يستظل بيحمومها [1] ، ويشرب من حميمها [2] ؛ ويطعم من زقومها [3] ويتسربل [4] من قطرانها؛ ومثل هذا ليس من الإسلام في شيء؛ فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده؛ وليس من الإيمان في قليل ولا كثير؛ فإن المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم؛ فإن كان يحمل لقب الإسلام أو الإيمان فهو لقب مكذوب؛ ونعت مسروق.
[سبب الحديث]
هذا والحديث له سبب: روى البخاري عن عائشة أن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: «بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة» ، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه. وانبسط إليه. فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا. ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره» . أهـ.
العشيرة:
الجماعة أو القبيلة. أو هي الأدنى إلى الرجل من أهله، وهم ولد أبيه وجده. وتطلق: أبدى له طلاقة وجهه. يقال: وجه طلق وطليق أي مسترسل منبسط، ليس بعبوس. وللفحش يقال لكل ما خرج عن الحدّ حتى استقبح من قول أو فعل أو صفة. لكن استعماله في القول أكثر.
وقد قيل: إن هذا الرجل المستأذن هو مخرمة بن نوفل. وقيل: عيينة بن حصن الفزاري. وكان يسمى بالأحمق المطاع لأنه كان رئيس قومه: وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتألفه ليسلم قومه. وقد أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وارتدّ في خلافة أبي بكر وحارب. ثم رجع إلى الإسلام. وحضر بعض الفتوح في عهد عمر. وهو الذي استأذن له ابن أخيه الحر بن قيس في الدخول على عمر. فلما دخل قال: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا [1] يحموحها: اليحموم: الحرارة الشديدة. [2] حميمها: الحميم: الماء الحار. [3] زقومها: الزّقوم: شجرة مرة كريهة الدائمة، ثمرها طعام أهل النار. [4] يتسربل: تسربل: لبس.