له، ومن شقائه أن يكون بين جماعة يضمرون له الشر، ويدبرون له المكايد فالشخص الذي بجانبه جيران سوء، يعملون للإضرار به في نفسه؛ أو ماله، أو عرضه، ويحوكون [1] له العظائم والدواهي، منغص في عيشه؛ لا يهنأ له بال، ولا ينعم بمال، تراه مقطب الوجه، محزون النفس مكلوم [2] الفؤاد، كل ذلك من سوء الجوار، ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من هذا خلقه، وتلك دخيلته مع جاره- غير مؤمن، وأكد ذلك بالحلف والتكرار ثلاث مرات، وهل المؤمن إلا من أمنه الناس على دمائهم؛ وأموالهم؛ وأعراضهم. وهل الإيمان إلا من الأمن.
فإذا كان الجار لجاره حربا؛ وعليه ضدا؛ فكيف يكون من المؤمنين الذي أخلصوا دينهم لله، لقد كان الواجب عليه أن يتفقد أمور جاره؛ ويساعده بكل ما استطاع؛ ويعمل على جلب الخير له؛ ودفع الشر عنه؛ حتى يكونا في عيشة راضية؛ وحياة طيبة؛ أفما كفاه أن يترك كل ذلك حتى يقف منه موقف العداء؛ يدبر له الموبقات المدمرات، والمفظعات المهلكات وليقف موقف الحياد إن لم يكن لصنع المعروف أهلا لا يحسن إليه فلا يسيء؛ والحديث يؤكد حق الجار؛ وأنه من بين الحقوق بالمكان العظيم؛ حتى أن من ينتهك حرماته يسلب عنه الإيمان الذي هو معقد السعادة في الدنيا والآخرة وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [3] .
47- باب: إكرام الضيف والإحسان إلى الجار
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره؛ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» .
[أخرجه الشيخان وابن ماجه [4] ] . [1] يحوكون: ينسجون له الشرور والمصائب ليوقعوه بها. [2] مكلوم: كلم كلما: جرحه. [3] سورة المائدة، الآية: 5. [4] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره-