246 - حدثني الحسن بن سعيد الجرجاني قال: سمعت أبا مريم الصلت بن حكيم يقول: كانت امرأة في بني إسرائيل تتعبد، وكانت تفطر كل سبت. فبينما هي ذات يوم قد وضعت إفطارها بين يديها جعلت تقول: محب يحب حبيبه يتشاغل بالأكل عن خدمة حبيبه، يوشك أن يقدم عليه رسول حبه وهو متشاغل بأكله عن خدمته، فلا تقر عينه في لقائه. فمكثت بذلك سبعين سبتاً لا تفطر. ثم وضعت إفطارها بين يديها، وجعلت تقوم مثلما كانت تقول. فإذا بشاب ناحية البيت جميل الوجه طيب الريح يقول لها: السلام عليك يا حبيبة الله أو يا ولية الله. قالت: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أنا ملك الموت. قالت: يا ملك الموت، أتأذن لي أن أسجد سجدة أناجي فيها ربي عز وجل، فإذا رأيتني قد فعلت ذلك قبضت روحي؟ قال: لك ذلك. قال: فنحت إفطارها ثم وثبت. فقبض روحها في اجتهادها ذلك.
247 - حدثني محمد بن الحسين قال: سألت بعض العلماء فقلت: صف لي شيئاً من أخلاق المحبين لله تعالى وكيف مقامهم في الدنيا. فقال: اعلم يا أخي أن المحب لله فوق الخائف، على أن المحب لله لم يزل على ظهر الخوف لله مقدار ذرة فما دونها. والمحب لا يسقى كأس المحبة إلا بعد أن ينضح قلبه من كأس الخوف، وإنما خوف النار عند خوف -[104]- الفوت بمنزلة نقطة نقطت في بحر لجي. ولا أعلم شيئاً أحمد للقلوب من خوف الغرق. فمن أحب الله عز وجل فقد غرق في بحر الحزن حتى وصل إلى قرار الكمد. فالمحب لله لا تعظم عنده جنة ولا نار، لأنه ليس شيء أعظم من الله تعالى.
قال: وينبغي لمن تكلم في المحبة أن يرى عليه أثر بغض الدنيا، لأنه محال أن يجتمع في القلب حب الله وحب الدنيا. فمن أحب الله لم ينظر إلى ما ناله من الدنيا، ولا يكون له حاجة إلى غير من أحب.
قال: وسمعت بعض أهل العلم يقول: لا ينكسر حزن عاشق أبداً حتى يظفر، والمحب يتحرى أن لا يكون له حاجة إلى غير من يحب.
وقال بعض أصحابنا: لا ينكسر حزن محب، وهو أخوف من العاشق، إنما يزيد العشق للحزن.
وقال: قل لمن أظهر حب الله تعالى: احذر أن تذل لغير الله تعالى.
وقال: لو أهمنا الحياء من الله سبحانه ما ذكرنا المحبة وقد سكرنا من كأس الدنيا.
قال: إن من علامة المحب لله إيثار الله تعالى والإياس من غير الله.
ومن علامة المحب الرضا بحكم الله. ومن علامة المحب لله أن لا يكون له حاجة إلى غير الله. ومن علامة المحب لله دوام الذكر بالقلب -[105]- واللسان لله. وقلما ولع المرء بذكر الله إلا أفاد منه حب الله. ومن علامة المحبة ترك كل ما يشغل عن الله تعالى حتى يكون الشغل بالله وحده.
قال: ومن دلائل أهل المحبة أن لا يتأنسوا بسوى الله تعالى ولا يستوحشوا مع الله تعالى، لأن حب الله إذا سكن القلب أشرق بالأنس.
وقال: إذا سقي كأس الحب لله ارتحلت الدنيا من قلبه وسكن القلب هيبة الآخرة.
وقال: من أحب الله للعطية فهو جاهل بالله، وذلك إنما يحب المخلوق للعطية وتعالى عن ذلك الخالق. والعالم بالله لا يحب الله لمعروف، لأن المعروف صفة من صفات الخلق والله أجل في صدور العالمين به أن يحبوه لغيره.
وقال: من أحب الله بصدق من قلبه لم يعظم في قلبه شيء سوى الله تعالى.
وقال: لو أدخل الله المحب النار وعذبه بأشد العذاب ما نقص من محبته الله شيء بل يزداد حباً لله، إذا كان ما عذبه به من حقه عليه، ولو عذبه بعذاب لو عذب به النار لكانت النار حقيرة ذليلة فكان ذلك من حق الله عليه وعلى النار. فلما علم المحب أن ذلك لله رأى أن -[106]- الفضل لله عليه وعلى الخلق كلهم أجمعين، فازداد لله حباً وعلى الخدمة له حرصاً.
وقال: من أحب الله بالصدق فهو يستقل كل نعيم دون الله. ولا لذة أعظم في صدر المحب لله من ساعة يذكر فيها مقعد صدق عند مليك مقتدر.