responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 9  صفحه : 286
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيِّ، قَالَ: «إِنِّي أَدْرَكْتُ مِنَ الْأَزْمِنَةِ §زَمَانًا عَادَ فِيهِ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَعَادَ وَصْفُ الْحَقِّ فِيهِ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، إِنْ نَزَعْتَ فِيهِ إِلَى عَالِمٍ وَجَدْتَهُ مَفْتُونًا بِالدُّنْيَا يُحِبُّ التَّعْظِيمَ وَالرِّيَاسَةَ، وَإِنْ نَزَعْتَ إِلَى عَابِدٍ وَجَدْتَهُ جَاهِلًا فِي عِبَادَتِهِ مَجْذُومًا صَرِيعًا عَدُوُّهُ إِبْلِيسُ قَدْ صَعِدَ بِهِ إِلَى أَعْلَى سَطْحٍ فِي الْعِبَادَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَدْنَاهَا فَكَيْفَ لَهُ بِأَعْلَاهَا، وَسَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الرِّعَاعِ فَقَبِيحٌ أَعْوَجُ وَذِئَابٌ مُخْتَلِسَةٌ وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ وَثَعَالِبُ جَارِيَةٌ. هَذَا وَصْفُ عُيُونِ مِثْلِكَ فِي زَمَانِكَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَدُعَاةِ الْحِكْمَةِ، وَذَلِكَ أَنِّي لَسْتُ أَرَى عَالِمًا إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، بَعِيدًا غَوَّرَ فِطْنَتَهُ لِمَضَرَّتِهِ لِأُمُورِ دُنْيَاهُ مُتَّبِعًا هَوَاهُ مُعْجَبًا بِرَأْيهِ شَحِيحًا عَلَى دُنْيَاهُ سَمْحًا بِدِينِهِ، مُتَعَزِّمًا بِمَذْمُومِ الْقَضَاءِ مُعَانِقًا لِهَوَاهُ فِيمَا يَرْضَى غَيْرَ مُتَنَقِّلٍ عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بَلْ مُسْتَزِيدًا مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتْنَةِ وَالْبَلَاءِ، مُحْتَمِلًا شَقَاءَ الدُّنْيَا بِالشَّهْوَةِ قَاسِيًا قَلْبُهُ، عَظِيمَةٌ غَفْلَتُهُ عَمَّا خُلِقَ لَهُ، مُسْتَبْطِئًا لِمَا يُدْعَى مِمَّا قَدْ ضُمِنَ لَهُ، غَيْرُ وَاثِقٍ بِاللَّهِ، مَفْقُودٌ مِنْهُ خَوْفُ مَا قَدِ اسْتَوْجَبَ بِهِ النَّارَ، مُعْتَرِضٌ لِلْمَوْتِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، مَشْغُوفٌ بِدُنْيَاهُ، غَافِلٌ عَنْ آخِرَتِهِ عَاشِقٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَاهِدٌ فِيمَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الشوقِ. فَكَمَا أَنَّهُ ضَعُفَ يَقِينُهُ فِيمَا يَتَشَوَّقُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ أَمْنُهُ عِنْدَ الْوَعِيدِ، فَعِنْدَهَا كَانَ نَاسِيًا لِذُنُوبِهِ ذَاكِرًا مَحَاسِنَهُ قَدْ صَيَّرَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَآثَامَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، دَاخِلًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، مَشْغُوفًا بِالدُّنْيَا لَا يُقْنِعُهُ قَلِيلُهَا وَلَا يُشْبِعُهُ كَثِيرُهَا وَلَا يَسْعَى وَلَا يَكْدَحُ إِلَّا لَهَا، وَلَا يَفْرَحُ وَلَا يَتَزَيَّنُ إِلَّا لَهَا وَلَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ إِلَّا لَهَا، رَاضٍ بِحَظِّهِ بِقَلِيلِ حَظِّهِ الْمَتْرُوكِ التَّنَقُّلِ عَنْهُ مِنْ كَثِيرِ حَظِّهِ مِنْ آخِرَتِهِ، بَلْ رَاضٍ بِحَظِّهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ حَظِّهِ مِنْ خَالِقِهِ، خَائِفٌ مِنْ فَقْرٍ بَدَأَ مِنْهُ، آمِنٌ مِنْ مَعَاصٍ قَدْ -[287]- قَدَّمَهَا وَعُقُوبَاتٍ قَدِ اسْتَحَقَّهَا، مُتَزَيِّنٌ لِلْخَلَائِقِ بِمَا يُسْقِطُهُ عِنْدَ خَالِقِهِ، مُؤْيَسٌ مِنْهُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ. مَتُحَرِّزُونَ يَتَزَيَّنُونَ بِالْكَلَامِ فِي الْمَجَالِسِ يَتَكَبَّرُونَ فِي مَوَاطِنِ الْغَضَبِ عِنْدَ خِلَافِ الْهَوَى، ذِئَابٌ أَقْرَانٌ عِنْدَ مُمَارَسَةِ الدُّنْيَا طُلْسٌ دُجْرٌ جَرَائِزَهٌ. فَالطَّمَعُ الْكَاذِبُ يَسْتَمِيلُهُ وَالْهَوَى الْمُرْدِي يُخْلِقُ مُرُوءَتَهُ وَيَسْلُبُهُ نُورَ إِسْلَامِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَةِ خَوْفٍ فَنَزَعَ بِهِ الِامْتِحَانُ إِلَى جَوْهَرِهِ وَطِبَاعِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. فَتَعَقَّلِ الْآنَ وَصِفْ مَنْ هَذَا؟ وَصِفْ عُيُونَ مِلَّتِكَ فِي زَمَانِكَ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلَهُمْ أَوْجَبُ الثَّوَابِ، ثُمَّ نَبَّهَهُمْ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِي قَسْمِ الْعُقُولِ، وَلَمْ يَعْذُرْ بِالتَّقْصِيرِ مَنْ ضَيَّعَ شُكْرَهُ وَآثَرَ هَوَاهُ. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْهَوَى فَجَعَلَهُ ضِدًّا لِلْعَقْلِ، وَجَعَلَ لِلْعَقْلِ شَكْلًا وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالْهَوَى وَالْبَاطِلُ شَكْلَانِ مُؤْتَلِفَانِ قَرِينَانِ يَدْعُوانِ إِلَى مَذْمُومِ الْعَوَاقِبِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، هَيْهَاتَ يَا أَهْلَ الْعُقُولِ مَنِ الَّذِي يَحْظَرُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوَاهِبَهُ، وَمَنْ الَّذِي يَمْنَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْحَةً فَيَجِبُ عَنْهُ وَمَنِ الَّذِي يَمْنَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَيُوجَدُ عِنْدَهُ؟ هَلْ لِلْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَاجَةٍ بَعْدَ تَرْكِيبِ جَوَارِحِهِمْ؟ الْخَيْرُ لِلثَّوَابِ وَالشَّرُّ لِلْعِقَابِ، فَحَرَكَاتُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، فَخَلَقَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ بِلَا شَرْحِ تَرْجَمَةٍ مِنَّا جَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ أَضْدَادًا وَلَمْ يَدَعْ مُسْتَغْلَقًا إِلَّا جَعَلَ لَهُ مِفْتَاحًا، وَلَا شَكْلًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ تِبْيَانًا وَاضِحًا. فَلَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَ لِلْخَيْرِ أَسْبَابًا لَا يَسْتَطِيِعُ الْعِبَادُ أَنْ يَصِلُوا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ إِلَّا بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَهِيَ حَاجِزَةٌ عَنِ الْمَعَاصِي، إِذْ أَسْكَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَ مَنْ أَحَبَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ بِهِ»

نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 9  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست