responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 4  صفحه : 291
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ كَاتِبٍ لِلْحَجَّاجِ يُقَالُ لَهُ يَعْلَى، قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ أَخٌ لِأُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالَ: " كُنْتُ أَكْتُبُ لِلْحَجَّاجِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ يَسْتَخِفُّنِي وَيَسْتَحْسِنُ كِتَابَتِي، فَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا بَعْدَمَا قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «§مَا لِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ». فَخَرَجْتُ رُوَيْدًا وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ بِي قَتَلَنِي، فَلَمْ يَنْشَبِ الْحَجَّاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا "

حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا خَالِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ قَالَ: ثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا حَفْصُ أَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي شَدَّادٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ يُسَمَّى الْمُتَلَمِّسُ بْنُ الْأَحْوَصِ وَمَعَهُ عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنِ خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَهُ إِذَا هُمْ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: صِفُوهُ لِي. فَوَصَفُوهُ لَهُ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوهُ سَاجِدًا يُنَاجِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ، فَدَنَوْا مِنْهُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَالُوا: إِنَّا رُسُلُ الْحَجَّاجِ إِلَيْكَ، فَأَجِبْهُ. قَالَ: «وَلَابُدَّ مِنَ الْإِجَابَةِ». قَالُوا: لَابُدَّ مِنَ الْإِجَابَةِ. فَحَمِدَ اللهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ قَامَ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَيْرِ الرَّاهِبِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا مَعْشَرَ الْفُرْسَانِ، أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُمُ: اصْعَدُوا الدَّيْرَ، فَإِنَّ اللَّبُوَةَ وَالْأَسَدُ يَأَوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْرِ فَعَجَّلُوا الدُّخُولَ قَبْلَ الْمَسَاءِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَدْخُلَ الدَّيْرَ. فَقَالُوا: مَا نَرَاكَ إِلَّا وَأَنْتَ تُرِيدُ الْهَرَبَ مِنَّا قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا أَنْزِلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَدًا. قَالُوا: فَإِنَّا لَا نَدَعُكَ، فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُكَ. قَالَ سَعِيدٌ: «لَا ضَيْرَ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي فَيَصْرِفُهَا عَنِّي، وَيَجْعَلُهَا حَرَسًا حَوْلِي يَحْرُسُونَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ إِنْ شَاءَ اللهُ». قَالُوا: فَأَنْتَ مِنَ -[292]- الْأَنْبِيَاءِ. قَالَ: «مَا أَنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنْ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللهِ خَاطِئٌ مُذْنِبٌ». قَالَ الرَّاهِبُ: فَلْيُعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ عَلَى طُمَأْنِينَتِهِ. فَعَرَضُوا عَلَى سَعِيدٍ أَنْ يُعْطِيَ الرَّاهِبَ مَا يُرِيدُ، قَالَ سَعِيدٌ: «إِنِّي أُعْطِي الْعَظِيمَ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى أُصْبِحَ إِنْ شَاءَ اللهُ». فَرَضِيَ الرَّاهِبُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمُ: اصْعَدُوا وَأَوْتِرُوا الْقَسِّيَّ لِتُنَفِّرُوا السِّبَاعَ عَنْ هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّخُولَ عَلَيَّ فِي الصَّوْمَعَةِ لِمَكَانِكُمْ، فَلَمَّا صَعِدُوا وَأَوْتَرُوا الْقَسِّيَّ إِذَا هُمْ بِلَبُوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيدٍ تَحَاكَّتْ بِهِ وَتَمَسَّحَتْ بِهِ ثُمَّ رَبَضَتْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَأَقْبَلَ الْأَسَدُ وَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَا رَأَى الرَّاهِبُ ذَلِكَ وَأَصْبَحُوا نَزَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَسُنَنِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَأَسْلَمَ الرَّاهِبُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى سَعِيدٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيُقَبِّلُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَأْخُذُونَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ بِاللَّيْلِ فَصَلُّوا عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: يَا سَعِيدُ، قَدْ حَلَّفَنَا الْحَجَّاجُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ لَا نَدَعُكَ حَتَّى نُشْخِصَكَ إِلَيْهِ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ. قَالَ: «امْضُوا لِأَمْرِكُمْ، فَإِنِّي لَائِذٌ بِخَالِقِي، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ». فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا وَاسِطًا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهَا قَالَ لَهُمْ سَعِيدٌ: «يَا مَعْشَرَ الْقَوْمِ، قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُمْ وَصَحِبْتُكُمْ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ، وَأَنَّ الْمُدَّةَ قَدِ انْقَضَتْ، فَدَعُونِي اللَّيْلَةَ آخُذُ أُهْبَةَ الْمَوْتِ، وَأَسْتَعِدُّ لَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَأَذْكُرُ عَذَابَ الْقَبْرِ وَمَا يُحْثَى عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ فَالْمِيعَادُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي تُرِيدُونَ». قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُرِيدُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَلَغْتُمْ أَمَلَكُمْ، وَاسْتَوْجَبْتُمْ جَوَائِزَكُمْ مِنَ الْأَمِيرِ، فَلَا تَعْجِزُوا عَنْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطِيكُمْ مَا أَعْطَى الرَّاهِبَ، وَيْلَكُمْ أَمَا لَكُمْ عِبْرَةٌ بِالْأَسَدِ كَيْفَ تَحَاكَّتْ بِهِ وَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَحَرَسَتْهُ إِلَى الصَّبَّاحِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَيَّ أَدْفَعُهُ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ. فَنَظَرُوا إِلَى سَعِيدٍ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَشَعِثَ رَأْسُهُ، وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ يَوْمِ لَقُوهُ وَصَحِبُوهُ، فَقَالُوا بِجَمَاعَتِهِمْ: يَا خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ، لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ وَلَمْ نَسْرَحْ إِلَيْكَ، الْوَيْلُ لَنَا وَيْلًا طَوِيلًا، كَيْفَ ابْتُلِينَا بِكَ، اعْذُرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الْحَشْرِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ الْقَاضِي الْأَكْبَرُ، وَالْعَدْلُ الَّذِي -[293]- لَا يَجُورُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: «مَا أَعْذَرَنِي لَكُمْ وَأَرْضَانِي لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى فِيَّ». فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْبُكَاءِ وَالْمُجَاوَبَةِ وَالْكَلَامِ بِمَا بَيْنَهُمْ قَالَ كَفِيلُهُ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ يَا سَعِيدُ لَمَا زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلَامِكَ، فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَدًا، وَلَا نَرَى أَنَّا نَلْتَقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ سَعِيدٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءَهُ وَهُمْ مُخْتَفُونَ اللَّيْلَ كُلَّهُ يُنَادُونَ بِالْوَيْلِ وَاللهْفِ، فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصَّبَّاحِ جَاءَهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَالُوا: صَاحِبُكُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَنَزَلُوا إِلَيْهِ وَبَكَوْا مَعَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ وَآخَرُ مَعَهُ، فَدَخَلَا إِلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَتَيْتُمُونِي بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَعَايَنَّا مِنْهُ الْعَجَبَ. فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُمْ، قَالَ: أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ. فَخَرَجَ الْمُلْتَمِسُ فَقَالَ لِسَعِيدٍ: اسْتَوْدَعْتُكَ اللهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، قَالَ: فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ: أَنْتَ الشَّقِيُّ بْنُ كُسَيْرٍ. قَالَ: بَلْ كَانَتْ أُمِّي أَعْلَمُ بِاسْمِي مِنْكَ. قَالَ: شَقِيتُ أَنْتَ وَشَقِيَتْ أُمُّكَ، قَالَ: الْغَيْبُ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ. قَالَ: لَأُبْدِلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَارًا تَلَظَّى. قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِكَ لَاتَّخَذْتُكَ إِلَهًا. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، إِمَامُ الْهُدَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ، فِي الْجَنَّةِ هُوَ أَوْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: لَوْ دَخَلْتُهَا رَأَيْتُ أَهْلَهَا عَرَفْتُ مَنْ بِهَا. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي الْخُلَفَاءِ؟ قَالَ: لَسْتُ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. قَالَ: فَأَيُّهُمْ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَرْضَاهُمْ لِخَالِقِي. قَالَ: فَأَيُّهُمْ أَرْضَى لِلْخَالِقِ. قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ. قَالَ: أَبَيْتَ أَنْ تَصْدُقَنِي. قَالَ: إِنِّي لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَكْذِبَكَ. قَالَ: مَا بَالُكَ لَمْ تَضْحَكْ؟ قَالَ: وَكَيْفَ يَضْحَكُ مَخْلُوقٌ خُلِقَ مِنَ الطِّينِ، وَالطِّينُ تَأْكُلُهُ النَّارُ. قَالَ: مَا بَالُنَا نَضْحَكُ؟ قَالَ: لَمْ تَسْتَوِ الْقُلُوبُ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ فَجَمَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: إِنْ كُنْتَ جَمَعْتَ هَذِهِ لِتَفْتَدِيَ بِهِ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَصَالِحٌ، وَإِلَّا فَفَزْعَةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَلُ كُلَّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ جُمِعَ لِلدُّنْيَا إِلَّا مَا طَابَ وَزَكَا، ثُمَّ دَعَا الْحَجَّاجُ بِالْعُودِ وَالنَّايِ فَلَمَّا ضُرِبَ بِالْعُودِ وَنُفِخَ بِالنَّايِ بَكَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ -[294]- هُوَ اللهْوُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: بَلْ هُوَ الْحُزْنُ، أَمَّا النَّفْخُ فَقَدْ ذَكَّرَنِي يَوْمًا عَظِيمًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، وَأَمَّا الْعُودُ فَشَجَرَةٌ قُطِعَتْ فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَأَمَّا الْأَوْتَارُ فَإِنَّهَا مِعَاءُ الشَّاءِ يُبْعَثُ بِهَا مَعَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: وَيْلَكَ يَا سَعِيدُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: الْوَيْلُ لِمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الْجَنَّةِ وَأُدْخِلَ النَّارَ. قَالَ الْحَجَّاجُ: اخْتَرْ يَا سَعِيدُ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَكَ؟ قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاجُ، فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُنِي قِتْلَةً إِلَّا قَتَلَكَ اللهُ مِثْلَهَا فِي الْآخِرَةِ. قَالَ: أَفَتُرِيدُ أَنْ أَعْفُوَ عَنْكَ. قَالَ: إِنْ كَانَ الْعَفْوُ فَمِنَ اللهِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا بَرَاءَةَ لَكَ وَلَا عُذْرَ. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْتُلُوهُ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ ضَحِكَ، فَأُخْبِرَ الْحَجَّاجُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ بِرَدِّهِ فَقَالَ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ جَرَاءَتِكَ عَلَى اللهِ وَحِلْمِ اللهِ عَنْكَ. فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ فَبُسِطَ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. قَالَ سَعِيدٌ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: شُدُّوا بِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. قَالَ سَعِيدٌ: أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ. قَالَ: كُبُّوهُ لِوَجْهِهِ. قَالَ سَعِيدٌ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ، وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ، وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. قَالَ الْحَجَّاجُ: اذْبَحُوهُ. قَالَ سَعِيدٌ: أَمَا إِنِّي أَشْهَدُ وَأُحَاجَّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خُذْهَا مِنِّي حَتَّى تَلْقَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ دَعَا سَعِيدٌ اللهَ فَقَالَ: «§اللهُمَّ لَا تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي». فَذُبِحَ عَلَى النِّطَعِ رَحِمَهُ اللهُ. قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ الْحَجَّاجَ عَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً وَوَقَعَ الْأُكْلَةُ فِي بَطْنِهِ، فَدَعَا بِالطَّبِيبِ لَيَنْظُرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ فَعَلَّقَ فِي خَيْطٍ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي حَلْقَةٍ فَتَرَكَهَا سَاعَةً، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا وَقَدْ لَزَقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ: «مَالِي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كُلَّمَا أَرَدْتُ النَّوْمَ أَخَذَ بِرِجْلِي»

نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 4  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست