responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 2  صفحه : 138
الرُّوحَ وَيُسَكِّنُ الْيَوْمَ الْقَرَمَ، وَجَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ الْجِيفَةِ الَّتِي اشْتَدَّ نَتْنُ رِيحِهَا، فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهَا أَمْسَكَ عَلَى أَنْفِهِ مِنْهَا فَهُمْ يُصِيبُونَ مِنْهَا لِحَالِ الضُّرِّ وَلَا يَنْتَهُونَ مِنْهَا إِلَى الشِّبَعِ مِنَ النَّتْنِ فَغَرَبَتْ عَنْهُمْ وَكَانَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنَ الْآكِلِ مِنْهَا شِبَعًا وَالْمُتَلَذِّذَ بِهَا أَشَرًا، وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: أَمَا تَرَى هَؤُلَاءِ لَا يَخَافُونَ مِنَ الْأَكْلِ أَمَا يَجِدُونَ رِيحَ النَّتْنِ، وَهِيَ وَاللهِ يَا أَخِي فِي الْعَاقِبَةِ وَالْآجِلَةِ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ الْمَرْصُوفَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَقْوَامًا اسْتَعْجَلُوا الصَّبْرَ فَلَا يَجِدُونَ رِيحَ النَّتْنِ، وَالَّذِي نَشَأَ فِي رِيحِ الْإِهَابِ النَّتْنِ لَا يَجِدُ نَتْنَهُ، وَلَا يَجِدُ مِنْ رِيحِهِ مَا يُؤْذِي الْمَارَّةَ وَالْجَالِسَ عِنْدَهُ، وَقَدْ يَكْفِي الْعَاقِلَ مِنْهُمْ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ عَنْهَا وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا سَرَّهُ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا فَقِيرًا، أَوْ شَرِيفًا أَنَّهُ كَانَ فِيهَا وَضِيعًا، أَوْ كَانَ فِيهَا مُعَافًى سَرَّهُ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا مُبْتَلًى، أَوْ كَانَ مُسَلْطَنًا سَرَّهُ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا سُوقَةً، وَإِنْ فَارَقْتَهَا سَرَّكَ أَنَّكَ كُنْتَ أَوْضَعَ أَهْلِهَا ضَيْعَةً، وَأَشَدَّهُمْ فِيهَا فَاقَةً، أَلَيْسَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ عَلَى خِزْيِهَا لِمَنْ يَعْقِلُ أَمَرَهَا، وَاللهِ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مَنْ أَرَادَ مِنْهَا شَيْئًا وَجَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا نَصَبٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا لَزِمَتْهُ حُقُوقُ اللهِ فِيهِ وَسَأَلَهُ عَنْهُ وَوَقَفَهُ عَلَى حِسَابِهِ، لَكَانَ يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهَا إِلَّا قَدْرَ قُوتِهِ وَمَا يَكْفِي حَذَرَ السُّؤَالِ وَكَرَاهِيَةً لِشِدَّةِ الْحِسَابِ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا إِذَا فَكَّرْتَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: يَوْمٌ مَضَى لَا تَرْجُوهُ وَيَوْمٌ أَنْتَ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ تَغْتَنِمَهُ وَيَوْمٌ يَأْتِي لَا تَدْرِي أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ أَمْ لَا وَلَا تَدْرِي لَعَلَّكَ تَمُوتُ قَبْلَهُ، فَأَمَّا أَمْسُ فحكيمٌ مُؤَدِّبٌ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فصديقٌ مُوَدِّعٌ، غَيْرَ أَنَّ أَمْسَ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَجَعَكَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ أَبْقَى فِي يَدَيْكَ حِكْمَتَهُ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَضَعْتَهُ فَقَدْ جَاءَكَ خَلَفٌ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ عَنْكَ طَوِيلَ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ الْآنَ عَنْكَ سَرِيعُ الرِّحْلَةِ، وَغَدَا أَيْضًا فِي يَدَيْكَ مِنْهُ أَمَلُهُ، فَخُذِ الثِّقَةَ بِالْعَمَلِ وَاتْرُكِ الْغُرُورَ بِالْأَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى الْيَوْمِ هَمَّ غَدٍ أَوْ هَمَّ مَا بَعْدَهُ زِدْتَ فِي حُزْنِكَ وَتَعَبِكَ وَأَرَدْتَ أَنْ

نام کتاب : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء نویسنده : الأصبهاني، أبو نعيم    جلد : 2  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست