responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ المدينة نویسنده : ابن شبة    جلد : 3  صفحه : 924
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ: " أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، حَدَّثَهُ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حِينَ طُعِنَ: " إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْجَدِّ رَأَيًا، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَتَّبِعُوهُ فَاتَّبِعُوهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: «§إِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَكَ فَإِنَّكَ رُشْدٌ، وَإِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ الشَّيْخِ قَبْلَكَ فَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ كَانَ»

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «§إِذَا مِتُّ فَتَرَبَّصُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، وَلَا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ إِلَّا وَعَلَيْكُمْ أَمِيرٌ مِنْكُمْ، وَيَحْضُرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشِيرًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَمْرِ، وَطَلْحَةُ شَرِيكُكُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْضِرُوهُ أَمْرَكُمْ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ، وَمَنْ لِي بِطَلْحَةَ؟» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا لَكَ بِهِ، وَلَا يُخَالِفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَرْجُو أَلَّا يُخَالِفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ يَلِيَ إِلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ، فَإِنْ وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَجُلٌ فِيهِ لِينٌ، وَإِنْ وَلِيَ عَلِيٌّ فَفِيهِ دُعَابَةٌ وَأَحْرِ بِهِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَإِنْ تُوَلُّوا سَعْدًا فَأَهْلُهَا هُوَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الْوَالِي، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ خِيَانَةٍ وَلَا ضَعْفٍ، وَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، مُسَدَّدٌ رَشِيدٌ، لَهُ -[925]- مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ» ، وَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ: «يَا أَبَا طَلْحَةَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ طَالَمَا أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِكُمْ، فَاخْتَرْ مِنْهُمْ» ، وَقَالَ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ: «إِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَاجْمَعْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ» ، وَقَالَ لِصُهَيْبٍ: «صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَدْخِلْ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ إِنْ قَدِمَ، وَأَحْضِرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ، وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَرَضُوا رَجُلًا وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ أَوِ اضْرِبْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ فَرَضُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَأَبَى اثْنَانِ فَاضْرِبْ رُءُوسُهُمَا، فَإِنْ رَضِيَ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ وَثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ حَكَمَ لَهُ فَلْيَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» ، فَخَرَجُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِقَوْمٍ كَانُوا مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: «إِنْ أُطِعْ فِيكُمْ قَوْمَكُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَدًا» ، وَتَلَقَّاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: عُدِلَتْ عَنَّا، فَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: قُرِنَ بِي عُثْمَانُ، وَقَالَ: كُونُوا مَعَ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ رَضِيَ رَجُلَانِ رَجُلًا، وَرَجُلَانِ رَجُلًا، فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَسَعْدٌ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ لَا يَخْتَلِفُونَ فَيُوَلِّيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ أَوْ يُوَلِّيهَا عُثْمَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَلَوْ كَانَ الْآخَرَانِ مَعِي لَمْ يَنْفَعَانِي، بَلْهَ أَنِّي لَا أَرْجُو -[926]- إِلَّا أَحَدَهُمَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: " لَمْ أَرْفَعْكَ فِي شَيْءٍ إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيَّ مُسْتَأْخِرًا بِمَا أَكْرَهُ، أَشَرْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْأَلَهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَأَبَيْتَ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الْأَمْرَ فَأَبَيْتَ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ حِينَ سَمَّاكَ عُمَرُ فِي الشُّورَى أَنْ لَا تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَيْتَ، احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً: كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْكَ الْقَوْمُ فَقُلْ: لَا، إِلَّا أَنْ يُوَلُّوكَ، وَاحْذَرْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فَإِنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ يَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقُومَ لَنَا بِهِ غَيْرُنَا، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا بِشَرٍّ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ خَيْرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " أَمَا لَئِنْ بَقِيَ عُثْمَانُ لَأُذَكِّرَنَّهُ مَا أَتَى، وَلَئِنْ مَاتَ لَيَتَدَاوَلُنَّهَا بَيْنَهُمْ، وَلَئِنْ فَعَلُوا لَيَجِدُنِّي حَيْثُ يَكْرَهُونَ ثُمَّ تَمَثَّلَ:
[البحر الطويل]
حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً ... غَدَوْنَ خِفَافًا فَابْتَدَرْنَ الْمُحَصَّبَا
لَيَخْتَلِيَنْ رَهْطُ ابْنِ يَعْمُرَ مَارِئًا ... نَجِيعًا بَنُو الشَّدَّاخِ وِرْدًا مُصَلَّبَا "
وَالْتَفَتَ فَرَأَى أَبَا طَلْحَةَ فَكَرِهَ مَكَانَهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَمْ تُرَعْ أَبَا الْحَسَنِ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ تَصَدَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كِلَاكُمَا يُحِبُّ الْإِمْرَةَ، لَسْتُمَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، هَذَا إِلَى صُهَيْبٍ، اسْتَخْلَفَهُ عُمَرُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلَاثًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ، فَصَلَّى صُهَيْبٌ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَ الْمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى فِي بَيْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَيُقَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُقَالُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنِهَا، وَهُمْ خَمْسَةٌ مَعَهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ -[927]- غَائِبٌ، وَأَمَرُوا أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَحْجُبَهُمْ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا، وَقَالَ: تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولَا حَضَرْنَا، وَكُنَّا فِي أَهْلِ الشُّورَى؟ فَتَنَافَسَ الْقَوْمُ فِي الْأَمْرِ وَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْكَلَامُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا كُنْتُ لَأَنْ تَدْفَعُوهَا أَخْوَفَ مِنِّي لَأَنْ تَنَافَسُوهَا، لَا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ عُمَرَ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أُمِرْتُمْ، ثُمَّ أَجْلِسُ فِي بَيْتِي فَأَنْظُرُ مَا تَصْنَعُونَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يُخْرِجُ مِنْهَا نَفْسَهُ وَيَتَقَلَّدُهَا عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهَا أَفْضَلَكُمْ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: أَنَا أَنْخَلِعُ مِنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ» فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ رَضِينَا، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى، وَلَا تَخُصَّ ذَا رَحِمٍ، وَلَا تَأْلُو الْأُمَّةَ، فَقَالَ: أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مَعِي عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ، وَأَنْ تَرْضَوْا مَنِ اخْتَرْتُ لَكُمْ، عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ أَنْ لَا أَخُصَّ ذَا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ وَلَا آلُو الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: إِنَّكَ تَقُولُ إِنِّي أَحَقُّ مَنْ حَضَرَ بِالْأَمْرِ، لِقَرَابَتِكَ، وَسَابِقَتِكَ، وَحُسْنِ أَثَرِكَ فِي الدِّينِ، وَلَمْ تُبْعِدْ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ لَوَ صُرِفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْكَ فَلَمْ تَحْضُرْ، مَنْ كُنْتَ تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ؟ قَالَ: عُثْمَانُ، وَخَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ: تَقُولُ: شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَصِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمِّهِ، لِي سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ، لَمْ تُبْعِدْ، فَلَنْ يُصْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنِّي، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْضُرْ فَأَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ تَرَاهُ أَحَقَّ بِهِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ، ثُمَّ خَلَا بِالزُّبَيْرِ فَكَلَّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ -[928]- عَلِيًّا وَعُثْمَانَ، ثُمَّ خَلَا بِسَعْدٍ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: عُثْمَانُ فَلَقِيَ عَلِيٌّ سَعْدًا فَقَالَ: {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] أَسْأَلُكَ بِرَحِمِ ابْنِي هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِرَحِمِ عَمِّي حَمْزَةَ مِنْكَ، أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ ظَهِيرًا عَلَيَّ، فَإِنِّي أُدْلِي بِمَا لَا يُدْلِي بِهِ عُثْمَانُ، وَدَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيَالِيهِ يَلْقَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَأَشْرَافِ النَّاسِ يُشَاوِرُهُمْ وَلَا يَخْلُو بِرَجُلٍ إِلَّا أَمَرَهُ بِعُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُسْتَكْمَلُ فِي صَبِيحَتِهَا الْأَجَلُ أَتَى مَنْزِلَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بَعْدَ ابْهِيرَارٍ مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقَظَهُ، فَقَالَ: أَلَا أَرَاكَ نَائِمًا وَلَمْ أَذُقْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَثِيرَ غَمْضٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَاهُمَا، فَبَدَأَ بِالزُّبَيْرِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي الصُّفَّةِ الَّتِي تَلِي دَارَ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: خَلِّ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهَذَا الْأَمْرَ، قَالَ: نَصِيبِي لِعَلِيٍّ، وَقَالَ لِسَعْدٍ: أَنَا وَأَنْتَ كَلَالَةٌ، فَاجْعَلْ نَصِيبَكَ لِي فَأَخْتَارُ، قَالَ: إِنِ اخْتَرْتَ نَفْسَكَ فَنِعْمَ، وَإِنِ اخْتَرْتَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ، أَيُّهَا الرَّجُلُ بَايِعْ لِنَفْسِكَ وَأَرِحْنَا، وَارْفَعْ رُءُوسَنَا، قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنِّي قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْهَا عَلَى أَنْ أَخْتَارَ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ وَجُعِلَ الْخِيَارُ إِلَيَّ لَمْ أُرِدْهَا، إِنِّي أُرِيتُ كَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ كَثِيرَةِ الْعُشْبِ فَدَخَلَ فَحْلٌ لَمْ أَرَ فَحْلًا قَطُّ أَكْرَمَ مِنْهُ، فَمَرَّ كَأَنَّهُ سَهْمٌ -[929]- لَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى قَطَعَهَا، لَمْ يُعَرِّجْ، وَدَخَلَ بَعِيرٌ يَتْلُوهُ فَاتَّبَعَ أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الرَّوْضَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَحْلٌ عَبْقَرِيُّ يَجُرُّ خِطَامَهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَيَمْضِي قَصْدَ الْأَوَّلَيْنِ حَتَّى خَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَ بَعِيرٌ رَابِعٌ فَرَتَعَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَكُونُ الرَّابِعُ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُمَا أَحَدٌ فَيَرْضَى النَّاسُ عَنْهُ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ قَدْ أَدْرَكَكَ فَامْضِ لِرَأْيِكَ، فَقَدْ عَرَفْتَ عَهْدَ عُمَرَ، وَانْصَرَفَ الزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ إِلَى عَلِيٍّ، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا، وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ، ثُمَّ نَهَضَ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَكَانَ فِي نَجِيِّهِمَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَذَانُ الصُّبْحِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا عَمْرُو، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَوَقَعَ قَضَاءُ رَبِّكَ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ جَمَعَ الرَّهْطَ وَبَعَثَ إِلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْفَضْلِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَاجْتَمَعُوا حَتَّى الْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحَبُّوا أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ بِأَمْصَارِهِمْ، وَقَدْ عَلِمُوا مَنْ أَمِيرُهُمْ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّا نَرَاكَ لَهَا أَهْلًا، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ هَذَا، فَقَالَ عَمَّارٌ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُسْلِمُونَ فَبَايِعْ عَلِيًّا، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: صَدَقَ عَمَّارٌ، إِنْ بَايَعْتَ عَلِيًّا قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ قُرَيْشٌ فَبَايِعْ عُثْمَانَ -[930]-، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: صَدَقَ، إِنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَشَتَمَ عَمَّارٌ ابْنَ أَبِي أَبِي سَرْحٍ وَقَالَ: مَتَى كُنْتَ تَنْصَحُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَتَكَلَّمَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، وَمَا أَنْتَ وَتَأْمِيرُ قُرَيْشٍ لِأَنْفُسِهَا؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، افْرُغْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ، فَلَا تَجْعَلَنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا، وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَأَعْمَلَ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ، قَالَ: نَعَمْ، فَبَايَعَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: حَبْوَتَهُ حَبْو دَهْرٍ، لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلَّا لِيَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَيْكَ، وَاللَّهِ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا عَلِيُّ، لَا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ النَّاسَ فَإِذَا هُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَهَدْتُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِذَلِكَ اللَّهَ فَأَثَابَكَ -[931]- اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلًا مَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ وَلَا أَقْضَى مِنْهُ بِالْعَدْلِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا مِقْدَادُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمِقْدَادِ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَنْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ وَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتِهَا فَتَقُولُ: إِنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُمْ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ تَدَاوَلْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ، وَقَدِمَ طَلْحَةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُويِعَ فِيهِ لِعُثْمَانَ، فَقِيلَ لَهُ: بَايِعْ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَكُلُّ قُرَيْشٍ رَاضٍ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ إِنْ أَبَيْتَ رَدَدْتُهَا، قَالَ: أَتَرُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَكُلُّ النَّاسِ بَايَعُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَضِيتُ، لَا أَرْغَبُ عَمَّا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَبَايَعَهُ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أَصَبْتَ إِذْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ: لَوْ بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَيْرَكَ مَا رَضِينَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ، لَوْ بَايَعْتُ غَيْرَهُ لَبَايَعَهُ وَلَقُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ -[932]-، عَنِ ابْنِ مِجْلَزِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ تَسْتَخْلِفُونَ؟ فَسَمُّوا رِجَالًا حَتَّى سَمَّوْا طَلْحَةَ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَسْتَخْلِفُونَ رَجُلًا أَوَّلُ نَحْلٍ نَحَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ فِي مَهْرٍ لِيَهُودِيَّةٍ»

نام کتاب : تاريخ المدينة نویسنده : ابن شبة    جلد : 3  صفحه : 924
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست