responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الرد على الجهمية نویسنده : الدارمي، أبو سعيد    جلد : 1  صفحه : 124
فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " §مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَتَلَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بِنُ عَوْنٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ

207 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ وَجَمِيعُ الْأُمَّةِ تَقُولُونَ بِهِ: إِنَّهُ لَمْ يُرَ، وَلَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَا أَكْبَرُ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ حُرِمَهُ، وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَاحْتَجَبَ مِنْ خَلْقِهِ بِحُجُبِ النَّارِ وَالظُّلْمَةِ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، يُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، لِيَبْلُوَ بِذَلِكَ إِيمَانَهُمْ أَيُّهُمْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْرِفُهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَهُ، وَإِنَّمَا يَجْزِي الْعِبَادَ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ بِالْغَيْبِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ تَبَدَّى لِخَلْقِهِ وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لِإِيمَانِ الْغَيْبِ هُنَاكَ مَعْنًى، كَمَا أَنَّهُ لَمْ -[125]- يَكْفُرْ بِهِ عِنْدَهَا كَافِرٌ، وَلَا عَصَاهُ عَاصٍ، وَلَكِنَّهُ احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ بِالْغَيْبِ، وَإِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَيَؤُمِنَ بِهِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ السَّعَادَةُ، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. وَلَوْ قَدْ تَجَلَّى لَهُمْ لَآمَنَ بِهِ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ رُسُلٍ وَلَا كُتُبٍ، وَلَا دُعَاةٍ، وَلَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ وَكُتُبَهُ وَآمَنَ بِرُؤْيَتِهِ وَأَقَرَّ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، حَتَّى يَرَوْهُ عِيَانًا، مَثُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ وَإِكْرَامًا، لِيَزْدَادُوا بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عَبَدُوهُ بِالْغَيْبِ نَعِيمًا، وَبِرُؤْيَتِهِ فَرَحًا وَاغْتِبَاطًا، وَلَمْ يُحْرَمُوا رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جَمِيعًا، وَحَجَبَ عَنْهُ الْكُفَّارَ يَوْمَئِذٍ إِذْ حُرِمُوا رُؤْيَتَهُ كَمَا حُرِمُوهَا فِي الدُّنْيَا لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً وَثُبُورًا.

208 - فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {لَنْ تَرَانِي، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . قُلْنَا: هَذَا لَنَا عَلَيْكُمْ، لَا لَكُمُ، إِنَّمَا قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ بَصَرَ مُوسَى مِنَ الْأَبْصَارِ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفِنَاءَ فِي الدُّنْيَا، فَلَا تَحْمِلُ النَّظَرَ إِلَى نُورِ الْبَقَاءِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُكِّبَتِ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ لِلْبَقَاءِ، فَاحْتَمَلَتِ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا طُوَّقَهَا اللَّهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . وَلَوْ قَدْ شَاءَ لَاسْتَقَرَّ الْجَبَلُ وَرَآهُ مُوسَى، وَلَكَنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْكَلِمَةُ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْشِئُ خَلْقَهُ فَيُرَكِّبُ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لِلْبَقَاءِ، فَيَرَاهُ أَوْلِيَاؤُهُ جَهْرًا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-[126]-

209 - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ هَذِهِ الْآثَارَ، وَلَا نْحَتَجُّ بِهَا، قُلْتُ: أَجَلْ، وَلَا كِتَابَ اللَّهِ تَقْبَلُونَ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تْقَبَلُوهَا، أَتَشُكُّونَ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنِ السَّلَفِ، مَأْثُورَةٌ عَنْهُمْ، مُسْتَفِيضَةٌ فِيهِمْ، يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ أَعْلَامِ النَّاسِ وَفُقَهَائِهِمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَحَسْبُنَا إِقْرَارُكُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ حُجَّةً لِدَعْوَانَا أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ مَرْوِيَّةٌ، تَدَاوَلَتْهَا الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ، فَهَاتُوا عَنْهُمْ مِثْلَهَا حُجَّةً لِدَعْوَاكُمُ الَّتِي كَذَّبَتْهَا الْآثَارُ كُلُّهَا، فَلَا تَقْدُرُونَ أَنْ تَأْتُوا فِيهَا بِخَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْكَامُهُمْ وَقَضَايَاهُمْ إِلَّا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَالْأَسَانِيدِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَهِيَ السَّبَبُ إِلَى ذَلِكَ، وَالنَّهْجُ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَتْ إِمَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْهَا يَقْتَبِسُونَ الْعِلْمَ، وَبِهَا يَقْضُونَ، وَبِهَا يُقِيمُونَ، وَعَلَيْهَا يْعَتَمِدُونَ، وَبِهَا يَتَزَيَّنُونَ، يُوَرِّثُهَا الْأَوَّلُ مِنْهُمُ الْآخِرَ، وَيُبَلِّغُهَا الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الْغَائِبَ احْتِجَاجًا بِهَا، وَاحْتِسَابًا فِي أَدَائِهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، يُسَمُّونَهَا السُّنَنَ وَالْآثَارَ وَالْفِقْهَ وَالْعِلْمَ، وَيَضْرِبُونَ فِي طَلَبِهَا شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، يُحِلُّونَ بِهَا حَلَالَ اللَّهِ، وَيُحَرِّمُونَ بِهَا حَرَامَهُ، وَيُمَيِّزُونَ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالسُّنَنِ وَالْبِدَعِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ، وَيَعْرِفُونَ بِهَا ضَلَالَةَ مَنْ ضَلَّ عَنِ الْهُدَى، فَمَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَإِنَّمَا يَرْغَبُ عَنْ آثَارِ السَّلَفِ وَهَدْيِهِمْ، وَيُرِيدُ مُخَالَفَتَهُمْ لِيَتَّخِذَ دِينَهُ هَوَاهُ، وَلِيَتَأَوَّلَ كِتَابَ اللَّهِ بِرَأْيِهِ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ بِهِ.

210 - فَإِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَسْلَافِهِمْ، فَاقْتَبِسُوا الْعِلْمَ مِنْ آثَارِهِمْ، وَاقْتَبِسُوا الْهُدَى فِي سَبِيلِهِ، وَارْضَوْا بِهَذِهِ الْآثَارِ إِمَامًا، كَمَا رَضِيَ بِهَا الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ إِمَامًا، فَلَعَمْرِي مَا أَنْتُمْ أَعْلَمَ -[127]- بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَلَا مِثْلَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ إِلَّا بِاتِّبَاعِ هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى مَا تُرْوَى. فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] .

211 - فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَا، بَلْ نَقُولُ بِالْمَعْقُولِ. قُلْنَا: هَاهُنَا ضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَوَقَعْتُمْ فِي تِيهٍ لَا مَخْرَجَ لَكُمْ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَعْقُولَ لَيْسَ لشَيْءٍ وَاحِدٍ مَوْصُوفٍ بِحُدُودٍ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ فَيُقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَاحَةً لِلنَّاسِ وَلَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَعْدُ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] فَوَجَدْنَا الْمَعْقُولَ عِنْدَ كُلِّ حِزْبٍ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَالْمَجْهُولَ عِنْدَهُمْ مَا خَالَفَهُمْ، فَوَجَدْنَا فِرَقَكُمْ مَعْشَرَ الْجَهْمِيَّةِ فِي الْمَعْقُولِ مُخْتَلِفَيْنِ، كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ تَدَّعِي أَنَّ الْمَعْقُولَ عِنْدَهَا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَالْمَجْهُولَ مَا خَالَفَهَا، فَحِينَ رَأَيْنَا الْمَعْقُولَ اخْتَلَفَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَلَمْ نَقِفْ لَهُ عَلَى حَدٍّ بَيِّنٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، رَأَيْنَا أَرْشَدَ الْوُجُوهِ وَأَهْدَاهَا أَنْ نَرُدَّ الْمَعْقُولَاتِ كُلَّهَا إِلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى الْمَعْقُولِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لِأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْزِلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَكَانُوا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَكَانُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ، لَمْ يَفْتَرِقُوا فِيهِ، وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِمُ الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ الْحَائِدَةُ عَنِ الطَّرِيقِ.

212 - فَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا مَا وَافَقَ هَدْيَهُمْ، وَالْمَجْهُولُ مَا خَالَفَهُمْ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْآثَارُ، وَقَدِ انْسَلَخْتُمْ -[128]- مِنْهَا، وَانْتَفَيْتُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ، فَأَنَّى تَهْتَدُونَ؟ .

213 - وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبُّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] . قَالَ: تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا.

214 - قُلْنَا: نَعَمْ، تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا، وَلَا ثَوَابَ أَعْظَمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

215 - فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ هَذَا، وَاحْتِجَاجًا بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآثَارِ، فَهَذَا آيَةُ شُذُوذِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِكُمُ الْبَاطِلَ، لِأَنَّ دَعْوَاكُمْ هَذِهِ لَوْ صَحَّتْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ كَانَ مَدْحُوضًا الْقَوْلُ إِلَيْهِ، مَعَ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةِ التَّابِعِينَ، أَوَلَسْتُمْ قَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ هَذِهِ الْآثَارِ وَلَا تَحْتَجُّونَ بِهَا، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِالْأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ إِذْ وَجَدْتُمْ سَبِيلًا إِلَى التَّعَلُّقِ بِهِ لِبَاطِلِكُمْ عَلَى غَيْرِ بَيَانٍ؟ وَتَرَكْتُمْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ إِذْ خَالَفَتْ مَذْهَبَكُمْ، فَأَمَّا إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِقَبُولِ الْأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ، فَقَدْ حَكَمْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِقَبُولِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ، بَلْ تَأْثُرُونَهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ، وَتْأَثُرُونَ بِأَسَانِيدَ مِثْلَهَا أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ مَا هُوَ خِلَافَهُ عِنْدَكُمْ. فَكَيْفَ أَلْزَمْتُمْ أَنْفُسَكُمُ اتِّبَاعَ الْمُشْتَبَهِ مِنْ آثَارِ مُجَاهِدٍ وَحْدَهُ، وَتَرَكْتُمُ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ -[129]- وَنُظَرَاءِ مُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، إِلَّا مِنْ رِيبَةٍ وَشُذُوذٍ عَنِ الْحَقِّ.

216 - إِنَّ الَّذِي يُرِيدُ الشُّذُوذَ عَنِ الْحَقِّ، يَتَّبِعُ الشَّاذَّ مِنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَيَتَعَلَّقُ بِزَلَّاتِهِمْ، وَالَّذِي يَؤُمُّ الْحَقَّ فِي نَفْسِهِ يَتَّبِعُ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ، وَيَنْقَلِبُ مَعَ جُمْهُورِهِمْ، فَهُمَا آيَتَانِ بَيِّنَتَانِ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى اتِّبَاعِ الرَّجُلِ، وَعَلَى ابْتِدَاعِهِ

نام کتاب : الرد على الجهمية نویسنده : الدارمي، أبو سعيد    جلد : 1  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست