الوجه الثامن آيات العتاب
ومعنى هذا أن القرآن سجل في كثير من آياته بعض أخطاء في الرأي على الرسول صلى الله عليه وسلم ووجه إليه بسببها عتابا نشعر بلطفه تارة وبعنفه أخرى ولا ريب أن العقل المنصف يحكم جازما بأن هذا القرآن كلام الله وحده ولو كان كلام محمد ما سجل على نفسه هذه الأخطاء وهذا العتاب يتلوهما الناس بل ويتقربون إلى الله بتلاوتهما حتى يوم المآب.
الخطأ في الاجتهاد ليس معصية:
وننبهك في هذه المناسبة إلى أن هذا الخطأ ليس معصية حتى يقدح ذلك في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو خطأ فحسب بل هو من نوع الخطأ الذي يستحق صاحبه أجرا لأنه صادر عن اجتهاد منه والاجتهاد الصالح وهو بذل الجهد في الاطلاع والبحث والموازنة والاستنتاج مجهود شاق يبذله صاحبه لغرض شريف فليس من الإنصاف حرمانه من المكافأة متى كان أهلا للاجتهاد وإن أخطأ لأن الإنسان ليس في وسعه أن يكون معصوما
الكتاب الكريم ليتحقق العالم أنه على ما يقوله موحيه سبحانه وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
وبذلك يتضح سر نهضة المسلمين التي حصلت لهم زعامة العلم والحكمة في العالم في سنين معدودة فإنهم لو كانوا بدؤوا حياتهم العلمية على النحو الذي تبدؤها به كل أمة ما استطاعوا أن يبزوا الأمم التي تقدمتهم في هذا السبيل بقرون كثيرة ولكنهم لبدئهم إياها مستنيرين بهذه الأصول القرآنية العالية بلغوا منها أوجا في مدى قصير لم تبلغه أمة في آماد طويلة وعلى المسلمين اليوم أن يدركوا هذا الأمر الجلل وأن يجعلوا كتابهم نبراسا لهم في اقتباسهم العلم عن الأمم الغربية ليبلغوا منه ما بلغه أسلافهم في عهدهم الأول ويزيدوا عليه ما هدى إليه البشر في العصور الأخيرة اهـ.