بِنَصْرِ اللَّهِ} ولقد صدق الله وعده في هذه كما صدقه في تلك وكان ظفر المسلمين في غزوة بدر الكبرى واقعا في الظرف الذي صدر فيه الرومان وهكذا تحققت النبوءتان في وقت واحد مع تقطع الأسباب في انتصار الروم كما علمت ومع تقطع الأسباب أيضا في انتصار المسلمين على المشركين على عهد هذه البشارة لأنهم كانوا أيامئذ في مكة في صدر الإسلام والمسلمون في قلة وذلة يضطهدهم المشركون ولا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة ولكن على رغم هذا الاستبعاد أو هذه الاستحالة العادية نزلت الآيات كما ترى تؤكد البشارتين وتسوقهما في موكب من التأكيدات البالغة التي تنأى بهما عن التكهنات والتخرصات وإن كنت في شك فأعد على سمعك هذه الكلمات: ِ {بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ , وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
ثم ألست ترى معي أن هذه العبارة الكريمة في بضع سنين قد حاطت هاتين النبوءتين بسياج من الدقة والحكمة لا يترك شبهة لمشتبه ولا فرصة لمعاند لأن البضع كما علمت من ثلاثة إلى تسع والناس يختلفون في حساب الأشهر والسنين فمنهم من يؤقت بالشمس ومنهم من يؤقت بالقمر ثم إن منهم من يجبر الكسر ويكمله إذا عد وحسب ومنهم من يلغيه يضاف إلى ذلك أن زمن الانتصار قد يطول حبله فتبتدئ بشائره في عام ولا تنتهي مواقعه الفاصلة إلا بعد عام أو أكثر ونظر الحاسبين يختلف تبعا لذلك في تعيين وقت الانتصار فمنهم من يضيفه إلى وقت تلك البشائر ومنهم من يضيفه إلى يوم الفصل ومنهم من يضيفه إلى ما بينهما لذلك كله جاء التعبير بقوله جلت حكمته: {سَيَغْلِبُونَ , فِي بِضْعِ سِنِينَ} من الدقة البيانية والاحتراس البارع بحيث لا يدع مجالا لطاعن ولا حاسب وظهر أمر الله وصدق وعده على كل اعتبار من الاعتبارات وفي كل اصطلاح من الاصطلاحات {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} .!
المثال الثاني إنباء القرآن بأن الله عاصم رسوله وحافظه من الناس لا يصلون إليه بقتل ولا يتمكنون من اغتيال حياته الشريفة بحال وذلك في قوله عز وجل: {وَاللَّهُ