أضف إلى هذا تلك الدقة البالغة التي أجملناها لك في دستور أبي بكر ودستور عثمان رضي الله عنهما في جمع القرآن بالصحف والمصاحف وهي على مقربة منك. فارجع إليها إن شئت.
ويشبه هذين الدستورين في جمع القرآن دستور أبي بكر في حماية السنة والحيطة لها والتثبت منها إذ جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الأمر ثم انتهوا إلى اتباع ما يأتي:-
أن ينظروا في خبر الواحد نظرة فاحصة يعرضونه على كتاب الله تعالى وما تواتر أو اشتهر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خالف شيئا منها زيفوه وردوه وإن لم يخالف نظروا نظرة ثانية فيمن جاء به فلا يقبلون إلا ممن عرف بالعدالة والضبط والصدق والتحري وإلا طالبوه بالتزكية من طريق آخر يشهد معه ويروي ما رواه وبرغم هذا وذاك فقد التزموا التقليل من الرواية لأن الإكثار مظنة الخطأ ومثار الاشتباه.
نعم: حداهم ورعهم وشدة خوفهم من الله أن يحصنوا حديث رسول الله بهذا الدستور الدقيق الرشيد القائم على رعاية هذه القواعد الثلاث: النظر في الخبر والنظر في المخبر والإقلال من الرواية.
ويرحم الله ابن الخطاب فقد أخذ بالأسس التي وضعها أبو بكر لحياطة الكتاب والسنة ثم بنى عليها وشمخ بها وزاد فيها حتى تشدد مع الأمناء الموثقين وضيق الخناق على الصحابة المكثرين حتى روي أنه حبس ثلاثة من مشاهير الصحابة سنة كاملة وما نقم منهم إلا أنهم أكثروا الرواية. وإذا صح هذا فهو درس قاس من الفاروق لعامة الشعب في الاحتياط لأصول التشريع والتبصر والتدقيق في الرواية تحملا وأداء على حد قول الشاعر: