جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي: تعال حتى أعطيك. فقال صلى الله عليه وسلم. "وما أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرا. فقال: أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة" تصور في هذه التربية السامية كيف لم يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم لأم أن تعد طفلها الصغير وعدا غير صادق بل يسائلها: ما الذي كانت تعطيه لو جاء؟ ثم يقرر أنها لو خاست بعهدها هذا لكتبها الله عليها كذبة وهكذا يكتفي بذكر كلمة كذبة في هذا المقام ردعا لها وزجرا ومنه تعلم أن لفظ الكذب كان سوط عذاب يخيف الصحابة رجالا ونساء. وذلك لما يسمعون عنه من شناعة ولما يعرفون فيه من بشاعة ولما تأصل في نفوسهم من فضيلة الصدق وشرف الحق أفبعد هذه التربية العالية يصح أن يقال: إن الصحابة يكذبون على الله ورسوله ولا يتثبتون ألا إن هؤلاء من إفكهم ليهرفون بما لا يعرفون ويسرفون في تجريح الفضلاء واتهام الأبرياء ولا يستحون فويل لهم من يومهم الذي يوعدون.
العامل التاسع
القدوة الصالحة والأسوة الحسنة التي كانوا يجدونها في رسول الله صلى الله عليه وسلم ماثلة كاملة جذابة أخاذة. ولا يعزبن عن بالك أن القدوة الصالحة خير عامل من عوامل التعليم والتربية والتأديب والتهذيب خصوصا بين نبي ومتبعيه وأستاذ ومتعلميه ورئيس ومرؤوسيه وراع ورعيته.
وها نحن أولاء نرى علماء النفس والاجتماع وأقطاب التربية والتعليم وبناة الأخلاق والأمم: نراهم لا يزالون يتحدثون في القدوة الصالحة ويوصون بالقدوة الصالحة ويبحثون عن القدوة الصالحة وذلك لمكانتها من التأثير والإصلاح والتقويم والنجاح في الأفراد والأمم على سواء.