نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 159
بدلا من خصوص السبب, فالنص القرآني العام الذي نزل بسبب خاص معين يشمل بنفسه أفراد السبب وغير أفراد السبب, لأن عمومات القرآن لا يعقل أن توجه إلى شخص معين, قال ابن تيمية: "والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب: هل يختص بسببه؟ لم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين, وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ, والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرًا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته"[1].
هذه مثلا حركة النفاق التي بدأت بدخول الإسلام المدينة قد كان لها أثر واضح في توجيه الأحداث التاريخية، فإنها اتخذت مظاهر مختلفة وأشكالا متعددة منذ الهجرة النبوية حتى لحق عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى, فكان لزاما أن يثير القرآن في كثير من سوره وآياته حملة عنيفة على هذه الحركة وعلى دسائس المنافقين وأراجيفهم، حتى نزلت فيهم سورة تحمل اسمهم الخاص، فدل اسمها على مسماها، وعنوانها على محتواها، وجاء في تلك السورة آيات رسمت للمنافقين أخزى صورة، رمتهم بالبلادة والجمود، ونصبتهم تماثيل صامتة وخشبا مسندة بجوانب الجدران لا تبدي حراكا، وجعلتهم أشد توجسا وجبنا وفزعا من الفئران كلما هجس صوت، أو علت صحية، أو تحرك شيء، رقم ظاهرهم الخداع وأجسامهم الطوال العراض التي تسر الناظرين، وإليك الأصباغ الحية، والملامح الشاخصة، في آية واحدة من تلك الآيات المعجزة الفريدة: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [2]، فهل يعقل أن يخص القرآن [1] الإتقان 1/ 51. [2] سورة المنافقون 4. وراجع تفسير ابن كثير 4/ 368 وعبارته في تصوير أولئك المنافقين: "وكانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة، وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم.
قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي: كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم".
نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 159