بشرا ذا سَحْرٍ، أي ذا رِئَةٍ [1] ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير المستكره؟ . وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مُجَاهد في قوله: {إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} أي مَخْدُوعًا؛ لأن السحر حيلة وخديعة. وقالوا في قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [2] أي من أين تخدَعون؟ و {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [3] أي من المُعَلَّلِينَ [4] . وقال امرؤ القيس:
ونُسْحَرُ بالطَّعام وبالشرابِ (5)
أي نُعَلَّل، فكأنا نخدع. وقال لَبِيد:
فإن تسألينا: فيمَ نحن? فإنَّنا ... عصافيرُ من هذا الأنام المُسَحَّرِ (6)
أي المُعَلَّل. والناس يقولون: سحرْتني بكلامك. يريدون خدعتني.
وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [7] يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رِئَةٍ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه. ولكنهم لما أرادوا رجلا مَخْدُوعًا – كأنه بالخديعة سُحِر – كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبّهوه. وكأن المشركين ذهبوا إلى أن قومًا يعلِّمونه ويخدعونه. وقال الله في موضع آخر حكاية [1] بقية كلام أبي عبيدة "رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب، فهو مثلكم وليس بملك، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره، ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب: مسحور ومسحر" ونصه في البحر المحيط 6/44، وتفسير القرطبي 10/272، وتفسير الطبري 15/67. [2] سورة المؤمنون 89. [3] سورة الشعراء 153. [4] في اللسان 6/12 "وسحره بالطعام والشراب: غذاه وعلله، وقيل: خدعه ".
(5) صدره:
"أرانا موضعين لأمر غيب"
كما في ديوانه 47، وتفسير القرطبي 10/273، وفي اللسان 6/13 "قال ابن بري قوله: موضعين أي مسرعين. وقوله: لأمر غيب، يريد الموت وأنه قد غيب عنا وقته ونحن نلهى بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وقول لبيد ... يكون على الوجهين".
(6) تفسير الطبري 15/67، والقرطبي 10/272، والبحر المحيط 6/44، واللسان 6/14. [7] سورة الإسراء 48.