نشأة الاحتجاج وتطوره:
يبدو لي -والله أعلم- أن الاحتجاج للقراءات نشأ منذ وقت مبكر، ويرجع ذلك إلى عصر صغار الصحابة الذين تلقوا القرآن الكريم من كبارهم، وتعرفوا على القراءات المختلفة والوجوه المتعددة للقراءة.
ومما يدل على ذلك قصة حبر الأمة: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فقد ذكر أنه قرأ آية بوجه فاستشهد لها بآية أخرى، والآية التي قرأها هي قوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشرها"[1].
قرأها بالراء "المهملة "ننشرها"، ثم احتج لها بقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [2].
وكأنه بذلك فسر آية "البقرة" بما في سورة "عبس"، واستشهد للوجه الذي قرأ به آية البقرة بالوجه المتفق على قراءته بالراء في سورة عبس.
وهكذا انتقل هذا العلم الجليل -نظير علم القراءات- من صدور الصحابة إلى صدور التابعين من تلاميذهم، وكلما انتشر علم القراءات واشتهر زاد علم الاحتجاج وازدهر. [1] البقرة: 259. [2] عبس: 22، راجع: مقدمة "المحتسب" لمحققيه الثلاثة 1/ 8، وكتاب "أبو علي الفارسي" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص154.