responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس نویسنده : السايس، محمد علي    جلد : 1  صفحه : 384
والطيبات اللذائذ التي تشتهيها النفوس، ولا تعافها الطباع، لا شتمالها على ما ينفع، وتجردها عما يضر.
وقد روي في سبب نزول هذه الآية أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس إلى أصحابه يوما في بيت عثمان بن مظعون يعظهم، فوصف لهم يوم القيامة، وبالغ، وأشبع الكلام في الإنذار والتحذير، فعزموا على أن يرفضوا الدنيا، ويحرّموا على أنفسهم المطاعم الطيبة، والمشارب اللذيذة، وأن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، وأن لا يناموا في فراش النساء، بل لقد عزم بعضهم على أن يجبّ مذاكيره، ويلبسوا المسوح، ويسيحوا في الأرض فوصل خبرهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألهم فقالوا: ما أردنا إلا خيرا، فقال لهم: «إني لم أومر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [1] .
وليس في ذلك شيء من الحض على الاستزادة من أسباب الشهوات، بل ذلك نهي عن الرهبانية الموصلة إلى هدم الأجسام، وانحلال القوى، ومتى انهدمت الأجسام، وانحلت القوى، تسرب الخراب والاضمحلال إلى الأمة، قلا تقوى على العمل.
وأيضا فالناس مطالبون أن يعملوا عقولهم في مصلحة المجتمع، وأنّى لهم ذلك وقد انهدمت أجسامهم فضاعت عقولهم. والعقل السليم في الجسم السليم، ومع ذلك فالله لما نهانا عن تحريم الطيبات نهانا عن الاعتداء، وقال: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فهو يأمرنا أن نكون وسطا، وأن نلتزم التوسط في الأمور.
وقد ذهب المفسرون مذاهب في المراد من قوله تعالى: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ فمنهم من ذهب إلى أن المراد لا تعتقدوا تحريم ما أحل الله.
ومنهم من قال: لا تظهروا باللسان تحريم ما أحل الله.
ومنهم من قال: لا تجتنبوا ما أحل الله اجتنابا يشبه اجتنابكم لما حرم الله.
ومنهم من قال: لا تحرّموا على غيركم بالتقوى ما أحل الله.
ومنهم من قال: لا تحرّموا على أنفسكم بنذر أو يمين، وهو حينئذ في معنى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: [1]] .
ومنهم من يرى أن المراد النهي عن أن يغصب شيئا ويخلطه بماله فيحرم ماله، لعسر تمييزه عن المخلوط به.
وأنت ترى أنه لا مانع من إرادة كل هذه الوجوه من الآية، فهي تحتملها جميعا، ولا داعي لتخصيصها بالبعض.

[1] رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (7/ 7) .
نام کتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس نویسنده : السايس، محمد علي    جلد : 1  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست