وأراد: أنّ الهرم يخرف ويهتز وينقص خلقه، ويضعف بصره وسمعه، وتقلّ حيلته، ويعجز عن عمل الصالحات، فيكون أسفل من هؤلاء جميعا.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الشعراء: 227] في وقت القوّة والقدرة، فإنّهم في حال الكبر غير منقوصين، لأنّا نعلم أنا لو لم نسلبهم القدرة والقوّة لم يكونوا ينقطعون عن عمل الصّالحات، فنحن نجري لهم أجر ذلك ولا نمنّه، أي لا نقطعه ولا ننقصه.
وهو معنى قول المفسرين. ومثله قوله سبحانه: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) [العصر: 2] ، والخسر: النقصان إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) [العصر: 3] فإنهم غير منقوصين.
ونحوه
قول رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله للكرام الكاتبين: إذا مرض عبدي فاكتبوا له ما كان يعمل في صحته، حتى أعاقبه أو أقبضه» [1] .
ثم قال: فَما يُكَذِّبُكَ أيها الإنسان بِالدِّينِ؟ أي: بمجازاتي إيّاك بعملك وأنا أحكم الحاكمين؟
في سورة والشمس وضحاها
قوله سبحانه: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) [الشمس: 7، 10] .
أقسم بالنفس وخلقه لها ثم قال: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، أي: فهّمها أعمال البر وأعمال الفجور، حتى عرف ذلك الجاهل والعاقل، ثم قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها يريد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها بالطاعة والبرّ والصّدقة واصطناع المعروف.
وأصل التزكية: الزّيادة، ومنه يقال: زكا الزرع يزكوا: إذا كثر ريعه، وزكت النّفقة: إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرّجل عن ماله، لأنها تثمّر ماله وتنمّيه. وتزكية القاضي للشّاهد منه، لأنه يرفعه بالتّعديل والذّكر الجميل.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البرّ، وبركوب المعاصي. والفاجر أبدا خفيّ المكان، زمر المروءة، غامض الشّخص، ناكس الرأس. [1] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 231، والسيوطي في الدر المنثور 6/ 104، والمتقي الهندي في كنز العمال 6671.