سؤال محاججة وجدال كما مر، وقد أرشدناك إلى المواقع الموجود فيها هذا البحث فراجعها.
واعلم أن يوم القيامة طويل وله أحوال مختلفة ومواطن متباينة بعضها مع بعض، يشتد فيه الخوف والفزع فيشتغلون بها عن السؤال، وفي بعضها يتخاصمون، وفي بعضها يسكتون.
وقد ألمعنا إلى ذلك هناك أيضا بصورة مفصلة فراجعها. قال تعالى «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ» في ذلك اليوم «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» 102 الفائزون الناجحون فيه «وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ» وغبنوا فيه فهم «فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ» 103 لا خروج لهم منها «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ» 104 بادية أسنانهم كاشرون لتقلص شفاههم من الإحراق عابسون والعياذ بالله، وعند ما يستغيثون يقال لهم «أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ» على لسان رسلي في الدنيا يحذرونكم فيها من هول هذا اليوم «فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» 105 ولم تلتفتوا إليها ولا إلى الرسل ولم تصغوا لإرشادهم ونصحهم،
فاعترفوا واعتذروا بما ذكره الله بقوله «قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا» بسبب أعمالنا السيئة «وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ» 106 في الدنيا مجانبين الحق معرضين عن الهدى، غير ملتفتين إلى الرسل «رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها» من جهنم «فَإِنْ عُدْنا» إلى ما كنا عليه من الضلال بعد الآن «فَإِنَّا ظالِمُونَ» 107 أنفسنا مستحقون هذا العذاب، فيجيبهم الربّ جل جلاله بقوله العظيم الزاجر «قالَ اخْسَؤُا فِيها» أيها الكفرة وابعدوا عن هذا القول كما تقول للكلب إذا تبعك أو نبح عليك اخسأ، والمعنى اسكتوا وابقوا فيها أذلاء مهانين لا سبيل لكم إلى الخروج، فانزجروا عن هذه المقالة «وَلا تُكَلِّمُونِ» 108 بعدها في رفع العذاب، لأنكم مخلدون فيه، وهذا آخر كلام أهل النار إذ انقطع رجاؤهم.
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن أهل جهنم يدعون مالكا خازن جهنم أربعين يوما (يا مالك ليقض علينا ربك) فلا يجيبهم، ثم يقول بعد تلك المدة وهم ينتظرون جوابه (إنكم ما كثون) فيها كما في الآية 77 من سورة الزخرف المارة، ثم ينادون ربهم يقولون بنفس الآية، فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين، ثم يردّ عليهم (اخسؤا فيها) الآية، فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة ان كان إلا الزفير