المحرمات مع بيان الحكم الشرعي فيها في الآية المذكورة من سورة المائدة ج 3 إن شاء الله، وقدمنا بعض ما يتعلق فيها في الآية 145 من سورة الأنعام المارة فراجعها «وَلا تَقُولُوا» أيها الناس «لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ» من تلقاء أنفسكم لأن التحليل والتحريم من خصائص الله تعالى، وذلك أنهم كانوا يحللون ويحرمون برأيهم وينسبونه إلى الله تعالى، كما تقدم في الآية 138 من سورة الأنعام المارة. يدل على هذا قوله جل قوله «لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ» 116 بل يخيبون ويخسرون، وان متاعهم في هذه الدنيا وما هم عليه «مَتاعٌ قَلِيلٌ» لأن الدنيا مهما طال أمدها فهي قليلة، ولا تطمئن النفس الزكية إليها لتوقع المصائب والفتن والشحناء بين أهلها عداوة وبغضاء من أجل حطامها الزائل، وأشد ما يكون إذا وقع بين الأقارب، وفلما ترى المتصافين فيها لله، قال:
والمرء يخشى من أبيه وأمه ... ويخونه فيها أخوه وحاره
فإذا كان أقرب وأحب الناس إلى الرجل فيها يخافهم ويخشهم فتبا لهم من دار وسحقا لها من إقامة، هذا ما يلاقونه في الدنيا، وأما في الآخرة فيقول الله تعالى «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» 117 لا تطيقه قواهم «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ» هو ما تقدم في الآية 146 من الأنعام المارة، «وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» 118 بتحريم أشياء على أنفسهم لم يحرمها الله كلحوم الإبل وغيرها، قال تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الآية 160 من النساء في ج 3، «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ» كلمة جامعة لكل قبح «بِجَهالَةٍ» غير متدبرين عاقبته ولا معاندين الله فيه عصيانا عليه، وإنما بسبب غلبة شهوتهم الناشئة عن الجهل قال:
وما كانت ذنوبي عن عناد ... ولكن بالشقا حكم القضاء
«ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» الذي عملوه من السوء وندموا وتابوا توبة نصوحا، يدل عليه قوله تعالى «وَأَصْلَحُوا» أنفسهم واستقامت أحوالهم «إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها» أي التوبة «لَغَفُورٌ» لما سبق منهم «رَحِيمٌ» 119