يجهرون خلفه:، وهذه روايات وأقاويل بعيدة عن الثبوت ولا شيء يؤيدها، لأن الصلاة لم تفرض بعد على القول بأن الإسراء وقع في السنة العاشرة من البعثة عند نزول أول سورة الإسراء الآتيه وهو الصحيح، أما على القول بأن الإسراء كان في السنه الخامسة أو السادسة عند نزول سورة والنجم المارة المنوه بها في بحث الإسراء صراحة فسديد، ولكن يا للأسف لم نجد ما يؤيده حتى الآن، وقد ذكرنا ما يتعلق في هذا البحث آخر سورة والنجم فراجعه، واعلم أن الآية عامة مطلقة في القراءة دون الصلاة مما يطلب الاستماع إليها والإنصات لها، أما ما روي عن ابن مسعود أنه سمع أناسا يقرأون مع الإمام فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلخ كما أمركم الله فهو لا يؤيد سبب النزول ولا دليل فيه عليه وإنما ينصرف على لزوم الإنصات عند قراءة الإمام وهو واجب بلا شك، وإذا كان الإنصات دون الصلاة واجب ففيها من باب أولى، وان ابن مسعود قال هذا القول في حادثة أناس يقرأون مع الإمام في المدينة لا في سبب النزول الكائن في مكة: لأنه لا يعرف تاريخ قوله هذا ليستدل به على النزول فإن في مكة فهو غير صحيح وإن في المدينة لا دليل له عليه، وأضعف من هذه الأقوال القول بأنها نزلت في السكوت عند الخطبة يوم الجمعة، لأن هذه الآية مكية قطعا وإنما وجبت الجمعة في المدينة، تأمل هذا واعرف مزية هذا التفسير الذي جاء على ترتيب نزول القرآن وعرفك المقدم والمؤخر، وإلا لغرقت في أقوال ينسيك آخرها أولها ولا رتبكت واحتججت بروايات تضارب إحداها الأخرى فتفحم من غير غلب وتحقر من غير ذنب فتسكت للواقع وأنت محق في المواقع، فاحمد الله.
مطلب في الذكر السري وحالة الخوف والرجاء:
«وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ» سرالا تسمع به غيرك، وهذا خطاب لخاصة الرسول وعامة المؤمنين، لأن انتفاع الإنسان بالذكر إنما يكمل إذا وقع على هذه الصفة لقربها من الإخلاص وبعدها من الرياء، لا سيما إذا كان الذاكر استحضر في قلبه عظمة المذكور لما فيه من الإشعار بقرب العبد من ربه عز وجل.