responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النشر في القراءات العشر نویسنده : ابن الجزري    جلد : 1  صفحه : 52
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةَ كُلٍّ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ، وَقَطَعَ بِأَنَّهَا كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبِهَذَا افْتَرَقَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ مِنَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْقُرَّاءِ كُلٌّ حَقٌّ وَصَوَابٌ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهُوَ كَلَامُهُ لَا شَكَّ فِيهِ وَاخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ اخْتِلَافٌ اجْتِهَادِيٌّ وَالْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِيهِ وَاحِدٌ، فَكُلُّ مَذْهَبٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخَرِ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَكُلُّ قِرَاءَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى حَقٌّ وَصَوَابٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نَقْطَعُ بِذَلِكَ وَنُؤْمِنُ بِهِ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ مَعْنَى إِضَافَةِ كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الِاخْتِلَافِ إِلَى مَنْ أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ أَضْبَطَ لَهُ وَأَكْثَرَ قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً بِهِ، وَمُلَازَمَةً لَهُ، وَمَيْلًا إِلَيْهِ، لَا غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَاتِ إِلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ وَرُوَاتِهِمُ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَارِئَ وَذَلِكَ الْإِمَامَ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ مِنَ اللُّغَةِ حَسْبَمَا قَرَأَ بِهِ، فَآثَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ حَتَّى اشْتَهَرَ وَعُرِفَ بِهِ، وَقُصِدَ فِيهِ، وَأُخِذَ عَنْهُ ; فَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ اخْتِيَارٍ وَدَوَامٍ وَلُزُومٍ لَا إِضَافَةَ اخْتِرَاعٍ وَرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ.
وَأَمَّا فَائِدَةُ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَتَنَوُّعِهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فَوَائِدَ غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ سَبَبِ التَّهْوِينِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأُمَّةِ.
وَمِنْهَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نِهَايَةِ الْبَلَاغَةِ، وَكَمَالِ الْإِعْجَازِ وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَجِمَالِ الْإِيجَازِ، إِذْ كُلُّ قِرَاءَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَ تَنَوُّعُ اللَّفْظِ بِكَلِمَةٍ تَقُومُ مَقَامَ آيَاتٍ، وَلَوْ جُعِلَتْ دَلَالَةُ كُلِّ لَفْظٍ آيَةً عَلَى حِدَتِهَا لَمْ يَخَفْ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّطْوِيلِ.
وَمِنْهَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْبُرْهَانِ وَوَاضِحِ الدِّلَالَةِ، إِذْ هُوَ مَعَ كَثْرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَتَنَوُّعِهِ لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ تَضَادٌّ وَلَا تَنَاقُضٌ وَلَا تَخَالُفٌ، بَلْ كُلُّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيُبَيِّنُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ وَأُسْلُوبٍ وَاحِدٍ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا آيَةٌ بَالِغَةٌ، وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُ سُهُولَةُ حِفْظِهِ وَتَيْسِيرُ نَقْلِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِذْ هُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الْبَلَاغَةِ

نام کتاب : النشر في القراءات العشر نویسنده : ابن الجزري    جلد : 1  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست