منها، ببيان أن هذه هي طريقة القرآن في هدايته، فهو يضرب الأمثال كلها، ويبين الحقائق؛ حلوها ومرها، واضعًا كل شيء في موضعه، مسميًا له باسمه، لا يبالي أن يتناول في بيانه جلائل الأمور أو محقراتها {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} .
حقًّا؛ إن شأنَ هذا الكتاب في تفصيل الحق والباطل والضار والنافع شأنُ كتاب الأعمال في تفصيل الحسنات والسيئات. كلاهما لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وكما أن وصف القرآن بالهدى إجمالًا قد جر هناك إلى ذكر انقسام الناس في قبول هدايته، وإلى النعي على من أعرض عنه، كذلك وصف طريقته في الهداية قد جرها هنا إلى مثل هذا التقسيم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} وإلى النعي على الضالين بذكر مساوئهم وتفصيل نقائصهم {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} .
وكما أن بيان أوصافهم هناك قد جلاهم أمام السامع في صورة تحرك داعيته لسماع ندائهم بالنصح والتعليم، كذلك بيان أوصافهم هنا قد استفز النفوس إلى سماع مخاطبتهم بالتعجيب والإنكار.. {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ... } الآيات.
2- عود الكلام إلى المقصد الأول بأركانه الثلاثة، ولكن في ثوب جديد:
"أما في الركن الأول" فقد سمعته هناك يأمر بعبادة الله، وتسمعه هنا ينهى عن الكفر بالله.
وهناك ذكرهم بنعمة إيجادهم مجملة، وهنا يذكرهم بها مفصلة متممة، وهناك عرفهم بنعمة تسخير الأرض والسماء لهم، وهنا يعرفهم بذلك في شيء من التفصيل.
"وأما في الركن الثاني" فقد ذكر هناك نبوة هذا النبي الخاتم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهنا يذكر نبوة