"ومنها" أنه كان مقتضى التطابق بين الشرط والجواب أن يوضع الجواب عِدْلًا له فيقال: "لعجَله"، ولكنه عدل إلى ما هو أفخم وأهول؛ إذ بين أنه لو عجل للناس الشر لعجل لهؤلاء منه نوعًا خاصًّا هم له أهل، وهو العذاب المستأصل الذي تقضى به آجالهم.
"ومنها" أنه كان مقتضى الظاهر في تقرير النتيجة أن يقال: "فنذرهم" أو "فنذر هؤلاء" ولكنه قال: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} تحصيلًا لغرضين مهمين: أحدهما التنبيه على أن منشأ هذا الاستعجال منهم هو عدم إيمانهم بالبعث، والثاني التنبيه على أن قاعدة الإمهال من الله قاعدة عامة لهم ولأمثالهم.
"ومنها غير ذلك ... ":
قل لنا بربك: لو ظفرت في كلام البشر بواحدة من هذه التصرفات، ففي أي أسلوب غير أسلوب القرآن تظفر بهذه المجموعة أو بما يدانيها، في هذا القدر أو في ضعفيه من الألفاظ؟
مثال آخر في المعنى نفسه:
قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ، أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [1].
يقول الله تعالى: "نبئوني عن حالكم إن جاءكم العذاب بغتة في ليل أو نهار ماذا أنتم يؤمئذ صانعون؟ إنكم هنالك بين أمرين: فإما الإصرار على ما أنتم عليه الآن من تكذيب واستعجال؛ وإما الإيمان. فأيهما تختارون؟ "أتستعجلون" بالعذاب يومئذ كما تستعجلون به اليوم؟ كلا، فإنكم مجرومون، وكيف يتشوق المجرم لرؤية العذاب الذي إن جاء فهو لا محالة مواقعه؟ ثم نبئوني أي نوع منه تستعجلون؟ فإنه ليس نوعًا واحدًا بل [1] الآيتان 50 و51 من سورة يونس "10".