نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 405
ومن ذلك ما روينا عن أبي الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "أيّ أرض تقلني، وأيّ سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لم أعلم" وقد روي عن أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كنَّا عند عمر بن الخطاب وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ "وفاكهة أبَّا" فسأل بعض الحاضرين "ما الأب" ثم عدل عن السؤال وقال: إن هذا هو التكلُّف فما عليكم ألا تدريه".
وإن الناظر إلى ما روي مستندًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضه ضعيف لا يصلح أن يكون حجة، وبعضه لا يدل على منع الاجتهاد بالرأي، فيفهم القرآن إن لم تكن سنة مسعفة، وما روي عن أبي بكر إنما يدل على أنَّ الممنوع أن يقول في القرآن بغير علم، وعمر -رضي الله تبارك تعالى عنه- أراد أن يضرب الأمثال للناس بأن يبيِّن لهم أنَّ القرآن بحر عظيم عميق مملوء بالمعاني، فلا يصح لأحد أن يدَّعي أنه تقصَّاه وعرف أطرافه، وخشي أن يظن أحد أنه يحاول ذلك عندما سأل عن معنى كلمة "الأب" فعدل عن السؤال.
ونحن لا نرى فيما ساقه ابن تيمية -جزاه الله تعالى عن الإسلام خيرًا- ما يدل على المنع، ولكن يدل على وجوب الاحتياط في فهم القرآن، وأن يكون بين يديه من دلائل العلم وبيناته ما يجعله يقول عن بينة، ولا ينطبق عليه النهي في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لإسراء: 36] .
وإذا كان ابن تيمية قد عدَّ التفسير بالرأي منهجًا مهجورًا أو يجب أن يهجر، فعلى أيّ شيء اعتمد! إنه اعتمد على أربعة مصادر:
أولها: القرآن؛ إذ إن القرآن يفسر بعضه بعضًا، فهو يبين أحيانًا في موضع ما أجمله في موضع آخر، ويوضِّح أحيانًا في موضع ما يبدو بادي الرأي أنه مبهم في موضع آخر، ويجمع آيات القرآن إذا تصدَّت لموضوع واحد يستطيع القارئ المتفهّم أن يفهم بعض القرآن ببعضه.
وإنَّ ذلك بلا شكٍّ نوع من الرأي والاجتهاد، ولكن ابن تيمية لا يمنعه بل يوجبه كخطوة أولى.
وثانيها: السنة؛ إذ لم يستطع القارئ أن يفهم القرآن من القرآن، فإنه يتجه إلى السنة كما أسلفنا تحقيقًا لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، وقد قال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم: "ألا إني أوتيت علم الكتاب وأوتيت مثله معه".
وثالثها: ما قاله الصحابة في تفسير القرآن، كما ذكرنا من الأسباب في موضعه، وقد روي أن عبد الله بن مسعود قال: "والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلَّا وأنا علم فيمن نزلت، وأين نزلت".
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 405