نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 266
وإن كثيرًا من الأدلة الخطابية تعتمد على أقوى المقدمات إلزامًا وأشدَّها إفحامًا، وإن المنطق مميز لباطل القول، وليس موجدًا لليقين بذاته، فإنّ الأشكال المنطقية أخص خواصها أنَّها تكشف زور الباطل.
وقد يكون الكلام الخطابي مجملًا بالأشكال المنطقية في مقام الردِّ على حجج الخصوم، وكشف زيفها، وبيان وجه البطلان فيها، وكثيرًا ما تستخدم الخطب التي تقوم على المحاجّة، والجدال والبراهين والقيسة المنطقية لبيان وجه البطلان في كلام الخصم.
الأمر الثاني: إنه لا ينطبق ما يقال في الخطابة والجدل من أنهما يقومان على الأدلة الظنية على القرآن.
ونحن نميل إلى أن الاستدلال القرآني له طريق قائم بذاته، وإذا نظرت إليه وجدت فيه ما امتازت به الأدلة البرهانية من يقين لأمرية فيه، وما امتازت به الأدلة الخطابية من إثارة للإقناع، وما امتازت به كل خواص البيان العالي، مع أنه لا يسامي، وهو معجز لكل الناس عربهم وعجمهم.
أسلوب القرآن في الاستدلال والجدل:
151- إنَّ القرآن خاطب الناس جميعًا في أجيال مختلفة، وأقوام تباينت مشاربهم، ومن أجل أن نعرف بلاغة القرآن في الاستدلال والجدل يجب أن نشير بكلمات موجزات إلى أصناف الناس.
إن طبائع الناس متفاوتة، ومشاربهم مختلفة، وأهواءهم متنازعة، ومسالكهم في طلب الحق متعددة.
أ- فمنهم من يصدق بالبرهان، ولا يرضيه إلَّا قياس تامّ أو ما يجري مجراه، وهؤلاء هم من غلبت عليهم الدرسات العقلية والنزعات الفلسفية، وكان لهم من أوقاتهم ما أرجوه في دراسات واسعة النطاق، وعلوم سيطرت عليهم، فسادهم التأمل الفلسفي، والمنزع العلمي، والمستقرئ لأحوال الأمم المتتبع لشئون الاجتماع يجد أن هذا الصنف قلة في الناس، وعددهم محدود بالنسبة لغيرهم؛ إذ إنَّ أكثر من في الأرض دق انصرف إلى المهن من زراعة وصناعة، فما كان له وقت يزجيه في تلك التأملات، ولهاذ أمر الله تعالى نبيه أن يدعو إليه بالحكمة في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
ب- من الناس من غلب عليه مذهب ديني أو غير ديني قد استأثر بلبه، وسد مسام الإدراك، إذا استولت عليه نحلة مذهبية فتعصب لها، والتعصب يعمي ويصم،
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 266