نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 269
"غلف"، وبطبيعة الحال يكون هذا القول من اليهود افتخاراً منهم بأن قلوبهم أوعية للعلم، فلا حاجة لهم بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وليس اعتذاراً منهم وتبريراً لكفرهم بأن الله خلق قلوبهم فى أكنة مما يدعوهم إليه، ومغشاة بأغطية تمنع وصول دعوة الرسول إليها.
وهذا الذى ذكرنا من قراءة "غلف" بدون تخفيف تعرض لذكره الزمخشرى فقال: "وقيل غُلُف: تخفيف غُلْف، جمع غلاف أى قلوبنا أوعية للعلم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره، وروُى عن أبى عمرو: "قلوبنا غُلُف".. بضمتين".
كما ذكره أيضاً الإمام فخر الدين الرازى فى تفسيره لهذه الآية فقال: " ... وثانيها - أى ثانى الأوجه - روى الأصم عن بعضهم أن قلوبهم غُلُفْ بالعلم، ومملوؤة بالحكمة، فلا حاجة معها بهم إلى شرع محمد عليه السلام".
وهكذا نجد شيوخ المعتزلة، يحاولون التوفيق بين مذهبهم والقرآن، بكل ما يستطيعون من وسائل التوفيق، تارة بتطبيق مبدئهم اللغوى على كثير من آيات القرآن الكريم، حتى يتمشى النص القرآنى مع قواعد مذهبهم أو يتلخصوا من معارضته ومصادمته لهم على الأقل، وتارة بتحويل النص القرآنى والتصرف فيه، بما يجعله فى جانبهم لا فى جانب خصومهم.
* *
* نقد ابن قتيبة لهذا المسلك الاعتزالى فى التفسير:
غير أن هذا المسلك قد أغضب العلاَّمة ابن قتيبة وأهاجه عليهم فانتقدهم انتقاضاً مراً لاذعاً فى كتابه "تأويل مختلف الحديث"، وإليك ما قاله بنصه لتقف على ما كان بين الفريقين - فريق أهل السُّنَّة وفريق المعتزلة - من جدال ومحاورة، وليتبين لك مقدار الميل بالعبارات القرآنية إلى ناحية المذهب والعقيدة من كبار شيوخ المذهب الاعتزالى.
قال أبو محمد: "وفسَّروا - أى المعتزلة - القرآن بأعجب تفسير، يريدون أن يردوه إلى مذهبهم، ويحملوا التأويل على نحلهم، فقال فريق منهم فى قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} [البقرة: 255] أى علمه، وجاءوا على ذلك بشاهد لا يُعرف، وهذا قول الشاعر:
ولا بكرْسئُ علم الله مخلوق
كأنه عندهم: ولا يعلم علم الله مخلوق. والكرسى غير مهموز، وبكرسئ مهموز، يستوحشون أن يجعلوا لله تعالى كرسياً أو سريراً، ويجعلون العرش شيئاً آخر، والعرب لا تعرف من العرش إلا السرير وما عرش من السقف والآبار، يقول الله
نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 269