نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 268
والأصلح على الله لا يتفق وهذا الظاهر من معنى الجعل، ولكن سرعان ما يتخلص من هذه الضائقة العالِم المعتزلى الكبير أبو علىّ الجبائى فيفسِّر: "جعل" بمعنى "بَيَّن" لا بمعنى خلق، ويستدل على ذلك بقول الشاعر:
جعلنا لهم نهج الطريق فأصبحوا ... على ثبت من أمرهم حين يمموا
فيكون المعنى على هذا: أن الله سبحانه بَيَّنَ لكل نبى عدوه حتى يأخذ حذره منه.
* *
*تصرف المعتزلة فى القراءات المتواترة المنافية لمذهبهم:
وأحياناً يحاول المعتزلة تحويل النص القرآنى من أجل عقيدتهم إلى ما لا يتفق وما تواتر من القراءات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً ينظر بعض المعتزلة إلى قوله تعالى فى الآية [164] من سورة النساء: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً} .. فيرى أن مذهبه لا يتفق وهذا اللفظ القرآنى حيث جاء المصدر مؤكداً للفعل، رافعاً لاحتمال المجاز، فيبادر إلى تحويل هذا النص إلى ما يتفق ومذهبه فيقرؤه هكذا: "وكلَّم الله موسى تكليماً" بنصب لفظ الجلالة على أنه مفعول، ورفع موسى على أنه فاعل. وبعض المعتزلة يُبقى اللفظ القرآنى على وضعه المتواتر، ولكنه يحمله على معنى بعيد حتى لا يبقى مصادماً لمذهبه فيقول: إن "كلم" من الكَلْم بمعنى الجرح، فالمعنى: وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن، وهذا ليفر من ظاهر النظم الذى يصادم عقيدته ويخالف هواه.
هذا الذى ذكرناه، تعرَّض له الزمخشرى فى كشافه، فرواه عمن قال به عندما تكلم عن هذه الآية فقال: وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرءا "وكلم اللهَ" بالنصب، ثم قال مندداً بالرأى الثانى: "ومن بدع التفاسير أنه من الكَلْم، وأن معناه: وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن".
ومن الأمثلة التى يظهر فيها هذا التصرف من أجل أغراضهم المذهبية، قوله تعالى فى الآية [88] من سورة البقرة: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} .. فبعض المعتزلة أحس من هذه الآية أنها لا تتفق ومذهبه، لأنها تُشعر بأن الله خلق قلوبهم على طبيعة وحالة لا تقبل معها الإسلام، فيكون هو الذى منعهم عن الهدى وألجأهم إلى الضلال فقرأها هذا المعتزلى: "غُلُفٌ".. جمع غلاف بمعنى الوعاء، أى قلوبنا أوعية حاوية للعلم، فهم مستغنون بما عندهم عما جاءهم به محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا الوجه يتمشى مع القراءة المعروفة: {غُلْفٌ} على أنه مخفف
نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 268