نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 188
رابعاً - قالوا: إنَّ النبى صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس رضى الله عنهما، فقال فى دعائه له: "اللَّهم فقهه فى الدين، وعلِّمه التأويل" فلو كان التأويل مقصوراً على السماع والنقل كالتنزيل، لما كان هناك فائدة لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء، فَدَلَّ ذلك على أن التأويل الذى دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس أمر آخر وراء النقل والسماع، ذلك هو التفسير بالرأى والاجتهاد، وهذا بَيِّنٌ لا إشكال فيه.
هذه هى أدلة الفريقين، وكلُّ يحاول بما ذكر من الأدلة أن يثبت قوله ويركز مُدَّعاه. والغزالى - فى الإحياء، بعد الاحتجاج والاستدلال على بطلان القول بأن لا يتكلم أحد فى القرآن إلا بما يسمعه - يقول: "فبطل أن يُشترط السماع فى التأويل، وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله". كما قال قبل ذلك بقليل: "إن فى فهم معانى القرآن مجالاً رحباً، ومتسعاً بالغاً، وإن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه".
والراغب الأصفهانى - بعد أن ذكر المذهبين وأدلتهما فى مقدمة التفسير - يقول: "وذكر بعض المحققين: أن المذهبين هما الغلو والتقصير، فمَن اقتصر على المنقول إليه فقد ترك كثيراً مما يحتاج إليه، ومَنْ أجاز لكل أحد الخوض فيه فقد عرَّضه للتخليط، ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى: {ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} .
* *
* حقيقة الخلاف:
ونحن مع هذا البعض الذى نقل عنه الراغب هذا التحقيق إن وقف الفريق الأول عند المنقول فلم يتجاوزه، وأجاز الفريق الثانى لكل أحد الخوض فى التفسير والكلام فيه، إذ أن الجمود على المنقول تقصير وتفريط بل نزاع، والخوض فى التفسير لكل إنسان غلو وإفراط بلا جدال.
ولكن لو رجعنا إلى هؤلاء المتشدِّدين فى التفسير وعرفنا سر تشددهم فيه، ثم رجعنا إلى هؤلاء المجوِّزين للتفسير بالرأى ووقفنا على ما شرطوه من شروط لا بد منها لمن يتكلم فى التفسير برأيه، وحلَّلنا أدلة الفريقين تحليلاً دقيقاً، لظهر لنا أن الخلاف لفظى لا حقيقى، ولبيان ذلك نقول:
الرأى قسمان: قسم جار على موافقة كلام العرب، ومناحيهم فى القول، مع موافقة الكتاب والسُنَّة، ومراعاة سائر شروط التفسير، وهذا القسم جائز لا شك فيه، وعليه يُحمل كلام المجيزين للتفسير بالرأى.
وقسم غير جار على قوانين العربية، ولا موافق للأدلة الشرعية، ولا مستوف لشرائط
نام کتاب : التفسير والمفسرون نویسنده : الذهبي، محمد حسين جلد : 1 صفحه : 188