وقد تُوخي في ذلك طريقة جلية؛ حيث إن اللجوء إلى الغوامض والألغاز دليل على العجز عن الإتيان بالواضح الجلي، ولم تعرف العرب دقائق المتكلمين؛ ولذا فإن القرآن لم يتعرض إلا للجلي النافع منها..
وإذا كان الجدل هو احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند فيه، فإن القرآن الكريم قد ضرب بسهم وافر في هذا الميدان.. وهذا مَثَلٌ نسوقه ليتضح ما نؤمن به ونردده؛ قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ،، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} ..
تأمل معي هذا المنطق الفطري، دعا فيه أولًا إلى اتخاذ الوقاية من غضب الله وسخطه، ولسائل أن يقول: وما قيمة الاتقاء؟ فلعل الدعوة إليه بأهوال ستقع يُنسي الإنسان فيها نفسه، وتنقطع فيها أوثق العلائق الأسرية.. ومعرفة ذلك جاءت عن طريق السمع؛ إذ ليس للعقل في الغيبيات التي لم يرها مجال للنظر والتأمل، وعلى العقل أن يستعمل ملكاته وأن يقيس الشيء على نظيره، وعليه أن يحذر الوقوع في ما لا يعلمه، والجري وراء الذين