فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} .
ومنها: خطاب العين والمراد الغير؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} .. فإنه صلى الله عليه وسلم قد بَلَغَ الكمال في التقوى، وحاشاه أن يطيع منافقًا أو كافرًا، ونظيره قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ..
ومنها: الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطبًا معينًا؛ كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فلم يقصد بذلك خطاب شخص معين؛ بل كل واحد. وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم، يريد: أن حالهم تناهت في الظهور؛ بحيث لا يختص بها راء دون راء؛ بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب..
ومنها: خطاب الجمادات بخطاب مَن يعقل؛ للدلالة على أن لسان الحال كلسان المقال؛ كقوله للسماوات: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ..
والبلاغة ثلاثة فروع رئيسية حسب اصطلاح أهلها: بيان، ومعانٍ، وبديع.
وقد اشتمل القرآن على هذه الفروع بأسلوب أرق من ماء السلسبيل وأعذب من الماء المعين.. ولم يقصد القرآن بما يقدمه من صور بلاغية تعمية أو خيالًا؛ وإنما خاطب الناس بما يعقلون، وتمشى معهم فيما هم فيه حاذقون.
فالحقيقة في اصطلاح القوم: استعمال اللفظ فيما وضع له لغة أو إسناده إلى ما حقه أن يسند إليه؛ كإسناد القول لقائله..