المبحث الثاني: رحلة علماء القراءات في طلب الأسانيد
لقد رحل كثير من أئمة القراءات وطافوا البلاد في تحصيل القراءات بأسانيديها بعد تلقيهم ما عند علماء بلدانهم فلا تكمل أهلية أحدهم إلا بعد رحلته ولا وصل من وصل منهم إلى مقصوده إلا بعد هجرته، وهم في ذلك مقتدون بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:
((والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه وفي رواية لرحلت إليه)) (1) .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل فلم أجد أحداً يفتحها علي إلا رجلاً ببرك الغماد لرحلت إليه)) (2) .
ورحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه في طلب حديث واحد من المدينة حتى أتى الشام مسيرة شهر.
قال جابر: ((بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه.
قال: فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى أتيت
(1) فتح الباري: 9/47
مسلم بشرح النووي: 16/17
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد:101. قال: وبرك الغماد: هو أقصى هجر اليمن.
وانظر اللسان: 3/327 مادة (غمد)