المبحث الثاني: عناية علماء المسلمين بالإسناد
اهتم المسلمون بالأسانيد وأوْلوها من العناية ما تستحقه وبزوا في ذلك غيرهم من الأمم، فلا يكاد علم من علوم الشريعة الإسلامية يخلو منها، إلا أنها قد تكون في علم أظهر وأقوى منه في علم آخر، فالعلوم المنقولة كالقرآن والسنة النبوية والتفسير واللغة لا تستغنى عنها، وإن كانت الحاجة إليها في نقل القرآن والحديث أقوى وآكد، لما يترتب على صحة السند وضعفه من ثبوت القرآن وصحة المقروء وثبوت الشريعة وأحكامها المستنبطة من الأحاديث الواردة في العبادات والمعاملات وقد خص الله تعالى هذه الأمة بالإسناد وليس ذلك لغيرها من الأمم، وجاء تأكيد ذلك في الكتاب والسنة وأخبار السلف الصالح وآثارهم.
فقد حث الله ورسوله على التثبت في الأخبار والتأكد منها ونقلها من مصادرها.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1)
وقال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (2)
وقال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (3)
فدلت الآيات على أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن وافق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد
(1) سورة الحجرات آية: 6.
(2) سورة البقرة آية: 282.
(3) سورة الطلاق آية: 2.