وفي السابعة: أعني جملة (بما كانوا يكذبون) هو:
ان في تعليق العذاب من بين جناياتهم المذكورة بالكذب فقط اشارة الى شدة شناعة الكذب وقبحه وسماجته. وهذه الاشارة شاهد صدق على شدة تأثير سمّ الكذب؛ اذ الكذب أساس الكفر، بل الكفر كذب ورأس الكذب، وهو الأُولى من علامات النفاق. وما الكذب الا افتراء على القدرة الالهية، وضد للحكمة الربانية.. وهو الذي خرّب الأخلاق العالية.. وهو الذي صيّر التشبثات العظيمة كالشبحات المنتنة.. وبه انتشر السمّ في الاسلام.. وبه اختلت احوال نوع البشر.. وهو الذي قيّد العالم الانساني عن كمالاته، واوقفه عن ترقياته.. وبه وقع أمثال مسيلمة الكذاب في أسفل سافلي الخسة.. وهو الحمل الثقيل على ظهر الانسان فيعوقه عن مقصوده.. وهو الاب للرياء والأم للتصنع.. فلهذه الأسباب اُختص بالتلعين والتهديد والنعي النازل من فوق العرش..
فيا أيّها الناس! لاسيما ايّها المسلمون! ان هذه الآية تدعوكم الى الدّقة!
فان قلتم: ان الكذب للمصلحة عفو؟
قيل لكم: اذا كانت المصلحة ضروريةً قطعية، مع انه عذر باطل؛ اذ تقرر في اصول الشريعة: ان الأمر الغير المضبوط (أي الذي لايتحصل بسبب كونه قابلا لسوء الاستعمال) لا يصير علة ومداراً للحكم، كما ان المشقة لعدم انضباطها ما صارت علة للقصر، بل العلةُ السفر. ولئن سلّمنا فغلبة الضرر على منفعة شئ تفتى بنَسخه وتكون المصلحةُ في عدمه. وما ترى من الهَرْج والمَرج في حال العالم شاهد على غلبة ضرر عذر المصلحة. الا ان التعريض والكناية ليسا من الكذب. فالسبيل مَثْنَى: إما السكوت؛ اذ "لايلزم من لزومِ صدقِ كلِّ قولٍ قولُ كلِّ صدق". وإما الصدق؛ اذ الصدق هو أساس الاسلامية، وهو خاصة الايمان، بل الايمان صدق ورأسه.. وهو الرابط لكل الكمالات.. وهو الحياة للأخلاق العالية.. وهو العرق الرابط للأشياء بالحقيقة.. وهو تجلّي الحق في اللسان.. وهو محور ترقي الانسان.. وهو نظام العالم الاسلامي.. وهو الذي يُسرع بنوع البشر في طريق الترقي - كالبرق - الى كعبة الكمالات.. وهو الذي يصيّر اخمد الناس وافقره أعزّ من السلاطين.. وبه تفوّق أصحابُ النبيّ عليه الصلاة والسلام على جميع الناس.. وبه ارتفع "سَيّدنا محمد الهاشميّ" عليه الصلاة والسلام الى أعلى عليي مراتب البشر.