ميوله الغير المضبوطة، الناشئة من قابلياته الغير المحدودة، المستترة في استعداداته الغير المحصورة، المزروعة في جوهر روحه الذي كرمه الله تعالى؛ كل منها يشير في ماوراء الحشر الجسماني باصبع الشهادة الى السعادة الابدية وتمد نظرها اليه. فتأمل!
وأما البرهان السابع المبشر: فهو ان رحمة الرحمن الرحيم تبشر بقدوم اعظم الرحمة اعني السعادة الابدية؛ اذ بها تصير الرحمة رحمة، والنعمة نعمة. وبها تخلص الكائنات من النياحات المرتفعة من المأتم العموميّ المتولد من الفراق الابدي المصيّر للنعم نقماً. اذ لو لم يجئ روحُ النِعَم أعني السعادة الابدية، لتحول جميع النعم نقما؛ وللزم المكابرة في انكار الرحمة الثابتة بشهادة عموم الكائنات بالبداهة وبالضرورة..
فيا ايها الحبيب الشفيق [1] العاشق! انظر الى ألطف آثار رحمة الله أعني المحبة والشفقة والعشق؛ ثم راجع وجدانك لكن بعد فرض تعقب الفراق الابدي والهجران اللايزالي عليها، كيف ترى الوجدان يستغيث.. والخيال يصرخ.. والروح يضجر من انقلاب تلك المحبة والشفقة - اللتين هما أحسن وألطف انواع الرحمة والنعمة - اعظم مصيبة عليك واشد بلاء فيك؟ أفيمكن في العقل ان تساعد تلك الرحمة الضرورية لهجوم الفراق الابدي والهجران اللايزاليّ على المحبة والشفقة؟ لا! بل من شأن تلك الرحمة ان تسلِّط الفراقَ الابدي على الهجران اللايزليّ، والهجران اللايزاليّ على الفراق الابدي والعدم عليهما.
واما البرهان الثامن المصرّح: فهو لسان محمد عليه السلام الصادق المصدوق، ولقد فتح كلامه أبواب السعادة الابدية، على ان إجماع الانبياء من آدمهم الى خاتمهم عليهم السلام على هذه الحقيقة حجة حقيقية قطعية على هذا المدعى. ولأمر مّا اتفقوا.
واما البرهان التاسع: فهو اخبار القرآن المعجز؛ اذ التنزيل المصدق اعجازه بسبعة اوجه [2] في ثلاثة عشر عصرا دعواه عين برهانها. فاخباره كشاف للحشر الجسماني ومفتاح له. [1] الحبيب من طلاب المؤلف. [2] تفصيل هذه الاوجه في الكلمة الخامسة والعشرين (المعجزات القرآنية) .