وأما (استوقد) فسينُه اشارة الى التكلف والتحري. وفي افراده مع جمع الضمير في "نورهم" رمز لطيف الى أن فرداً يوقدُ لجماعةٍ. ولقد ألطف في الإفراد إيقاداً والجمع استنارة.
وأما (ناراً) بدل "المصباح" أو غيره فاشارة الى المشقة في نور التكليف، ورمز الى انهم يوقدون تحت النور الظاهري نارَ فتنة. وأما تنكيره فايماء الى شدة احتياجهم حتى انهم يرضون بأية نار كانت.
ثم اَجِلِ النظرَ فيما حول جملة (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) لترى كيف تضئ قيوداتُها على ظلمات الدهشة التي هي الغرض الأساسي. ولقد سمعت في المسألة الرابعة ان قوة الكلام بتجاوب القيود:
أما "الفاء" فإيماء الى ان هجوم اليأس المطلق تعقب كمال الرجاء.
وأما (لما) فلتضمنه قياساً استثنائياً مستقيماً مع دلالته على تحقق المقدم ينتج تحقق التالي وقطع التسلي.
وأما (أضاءت) فاشارة الى ان الايقاد للاستنارة لا للاصطلاء. وفيه رمز الى شدة الدهشة اذ ما أفاد لهم الاضاءة إلا رؤية المهالك والعلم بوجودها. ولولاها لأمكن مغالطة النفس وتسكينها.
وأما (ما حوله) فاشارة الى احاطة الدهشة من الجهات الأربع، والى لزوم التحفظ بالاضاءة عن هجوم الضرر عن الجهات الست.
وأما (ذهب) فلأنه جزاء الشرط، لا بد ان يكون لازماً. ولخفاء اللزوم - كما مر - يرمز الى انهم لم يتعهدوها ولم يعرفوا قَدْرَ النعمة فيها فبنفس الاضاءة اُخذوا عن أنفسهم وأنساهم البطر والفرح تعهّدها فأخذها الله عنهم..
وأما اسناد "ذهب" الى (الله) فاشارة الى قطع رجاءين: رجاء التعمير ورجاء الرحمة؛ لأنه يشير الى ان الآفة سماوية لاتقبل التعمير، ويرمز الى انه جزاءٌ لقصور المرء، ولهذا يأخذه الله تعالى. فينقطع المتمسك به عند انقطاع الأسباب وهو أمل الرحمة، اذ لايستعان من الحق على ابطال الحق.