responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 631
الْمُرَادَ ابْتِدَاءُ الشَّهَادَةِ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا انْتَظَمَهُ اللَّفْظُ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى خُصُوصِهِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ[1].
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَا قَالَ: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فَسَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ; لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ شُهَدَاءَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْكِتَابِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فَسَمَّاهُمَا شَهِيدَيْنِ، وَأَمَرَ بِاسْتِشْهَادِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ حَالَ الِابْتِدَاءِ مُرَادَةٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 23] فَسَمَّاهُ زَوْجًا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ إثْبَاتُ الشَّهَادَةِ ابْتِدَاءً، وَيَلْزَمُهُ إقَامَتُهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدْ غَيْرَهُ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَغُسْلِ الْمَوْتَى وَدَفْنِهِمْ، وَمَتَى قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ; وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِي تَحَمُّلِهَا وَأَدَائِهَا. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلنَّاسِ كُلُّ الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَحَمُّلِهَا لَبَطَلَتْ الْوَثَائِقُ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَكَانَ فِيهِ سُقُوطُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ مِنْ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى لُزُومِ فَرْضِ إثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فَرْضَهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ تَحَمُّلُهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} فَإِذَا ثَبَتَ فَرْضُ التَّحَمُّلِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، كَذَلِكَ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ إلَّا شَاهِدَانِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمَا مَتَى دُعِيَا لِإِقَامَتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وَقَالَ: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وَقَالَ: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] وَإِذَا كَانَ عَنْهُمَا مَنْدُوحَةٌ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِمَا فَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمَا لِمَا وَصَفْنَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: لَا تَمَلُّوا وَلَا تَضْجَرُوا أَنْ تَكْتُبُوا الْقَلِيلَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَأْجِيلِهِ وَالْكَثِيرَ الَّذِي نُدِبَ فِيهِ الْكِتَابُ وَالْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْقِيرَاطَ وَالدَّانِقَ وَنَحْوَهُ; إذْ لَيْسَ فِي الْعَادَةِ الْمُدَايَنَةُ بِمِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ; فَأَبَانَ أَنَّ حُكْمَ الْقَلِيلِ الْمُتَعَارَفِ فِيهِ التَّأْجِيلُ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ فِيمَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَأَنَّ قَلِيلَ مَا جرت

[1] قوله "على خصوصه ... الخ" هكذا في جميع النسخ، فليحرر. "لمصححه".
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 631
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست