responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 561
وَقَدْ اعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَمْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سِيمَاهُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ أَوْ عَدَمِ خِتَانٍ وَتَرْكِ الشَّعْرِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى، حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ; فَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ; فَجَعَلُوا اعْتِبَارَ سِيمَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَوْضِعِهِ الْمَوْجُودِ فِيهِ، فَإِذَا عَدِمْنَا السِّيمَا حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْمَوْضِعِ; وَكَذَلِكَ اعْتَبَرُوا فِي اللَّقِيطِ. وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26 - 27] فَاعْتَبَرَ الْعَلَامَةَ; وَمِنْ نَحْوِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] وَإِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَطَّخُوا قَمِيصَهُ بِدَمٍ جَعَلُوهُ عَلَامَةً لِصِدْقِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] .
وقَوْله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إلْحَاحًا وَإِدَامَةً لِلْمَسْأَلَةِ; لِأَنَّ الْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا وَإِدَامَتُهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِلْحَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} فَنَفَى عَنْهُمْ الْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَنْفِ عَنْهُمْ الْمَسْأَلَةَ رَأْسًا؟ قِيلَ لَهُ: فِي فَحَوَى الْآيَةِ وَمَضْمُونِ الْمُخَاطَبَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَسْأَلَةِ رَأْسًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} فَلَوْ كَانُوا أَظْهَرُوا الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ إلْحَافًا لَمَا حَسِبَهُمْ أَحَدٌ أَغْنِيَاءَ، وَكَذَلِكَ قوله تعالى: {مِنَ التَّعَفُّفِ} لِأَنَّ التَّعَفُّفَ هُوَ الْقَنَاعَةُ وَتَرْكُ الْمَسْأَلَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَصْفِهِمْ بِتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَفُّفَ هُوَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ وَمَنْ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ". وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْآيِ أَنَّ ثِيَابَ الْكِسْوَةِ لَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْمَسْكَنِ وَالْأَثَاثِ وَالْفَرَسِ وَالْخَادِمِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَاجَةً مَاسَّةً فَهُوَ غَيْرُ غَنِيٍّ بِهَا; لِأَنَّ الْغِنَى هُوَ مَا فَضَلَ عَنْ مِقْدَارِ الْحَاجَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: "إذَا فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَكِسْوَتِهِ وَأَثَاثِهِ وَخَادِمِهِ وَفَرَسِهِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ". وَقَالَ مَالِكٌ فِي رواية ابن

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 561
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست