responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 556
الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ قِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} إلَّا أَنْ تَحُطُّوا مِنْ الثَّمَنِ. وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: "إلَّا أَنْ تَتَسَاهَلُوا فِيهِ". وَقِيلَ: "لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا بِوَكْسٍ فَكَيْفَ تُعْطُونَهُ فِي الصَّدَقَةِ". هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ; وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ فِي الْهَدِيَّةِ إلَّا بِإِغْمَاضٍ وَلَا يَقْبِضُونَهُ مِنْ الْجَيِّدِ إلَّا بِتَسَاهُلٍ وَمُسَامَحَةٍ وَلَا يَبِيعُونَ بِمِثْلِهِ إلَّا بِحَطٍّ وَوَكْسٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَدَّى مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ الْوَاجِبِ فِي الصِّفَةِ، فَأَدَّى عَنْ الْجَيِّدِ رَدِيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: "لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْفَضْلِ". وَقَالَ مُحَمَّدٌ: "عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ الَّذِي بَيْنَهُمَا". وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَجَمِيعِ الصَّدَقَاتِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ: "إنَّ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْفَضْلِ". فَيَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ لِمُحَمَّدٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّدِيءُ مِنْهُ; وقَوْله تَعَالَى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ لَا يُغْمِضَ فِيهِ وَلَا يَتَسَاهَلَ وَيُطَالِبَ بِحَقِّهِ مِنْ الْجَوْدَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَدَاءَ الْفَضْلِ حَتَّى لَا يَقَعُ فِيهِ إغْمَاضٌ; لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ نَفَى الْإِغْمَاضَ فِي الصَّدَقَةِ بِنَهْيِهِ عَنْ إعْطَاءِ الرَّدِيءِ فِيهَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف فَإِنَّهُمَا قَالَا: "كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَإِنَّ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ حُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي حَظْرِ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ جَيِّدٌ فَأَنْفَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيئًا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ لَا يَغْرَمُهُ؟ " وَإِنَّمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ "إنَّهُ يَغْرَمُ مِثْلَ مَا قَبَضَ مِنْ الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ" وَغَيْرُ مُمْكِنٍ مِثْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ; لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا، فَلَوْ غَرِمَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُتَصَدِّقِ بِرَدِّ الْجَيِّدِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْطَاءُ الْفَضْلِ. وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَصَدِّقَ عَنْ قَصْدِ الرَّدِيءِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْجَيِّدِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُ مَا أَعْطَى حُكْمَ الْجَيِّدِ فِيمَا وَصَفْنَا أَجْزَأَ عَنْهُ; وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِخْرَاجِ الْفَضْلِ فِيهِ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْ إخْرَاجَ الرَّدِيءِ مِنْ الْجَيِّدِ إلَّا بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْفَضْلِ; إذْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِضَاءِ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ الْإِغْمَاضَ فِي الدُّيُونِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا جَوَازُ اقْتِضَاءِ الزُّيُوفِ الَّتِي أَقَلُّهَا غِشٌّ وَأَكْثَرُهَا فِضَّةٌ عَنْ الْجِيَادِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ اللَّذَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُمَا غَيْرَهُمَا، وَدَلَّ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 556
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست