responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 437
وَالطَّلَاقَ جَمِيعًا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى صِحَّةِ الْفَيْءِ فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِيهَا، فَصَارَ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ فَاءُوا فِيهَا وَكَذَلِكَ قُرِئَ فِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ; فَحَصَلَ الْفَيْءُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَتَمْضِي الْمُدَّةُ بِفَوْتِ الْفَيْءِ، وَإِذَا فَاتَ الْفَيْءُ حَصَلَ الطَّلَاقُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} فَعَطَفَ بِالْفَاءِ عَلَى التَّرَبُّصِ فِي الْمُدَّةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَأَنَّهُ مَتَى مَا فَاءَ فَإِنَّمَا عَجَّلَ حَقَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهُ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا. قِيلَ لَهُ: لَوْلَا أَنَّ الْفَيْءَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا صَحَّ وُجُودُهُ فِيهَا وَكَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا الْفَيْءِ إلَى فَيْءٍ بَعْدَ مُضِيِّهَا، فَلَمَّا صَحَّ الْفَيْءُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ بِالْآيَةِ، وَلِذَلِكَ بَطَلَ مَعَهُ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ. ثُمَّ قَوْلُك إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَيْءِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْمُدَّةِ مَعَ قَوْلِك: إنَّ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ صَحِيحٌ كَهُوَ بَعْدَهَا تَبْطُلُ مَعَهُ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ مُنَاقَضَةٌ مِنْك فِي اللَّفْظِ، كَقَوْلِك: إنَّهُ مُرَادٌ فِي الْمُدَّةِ غَيْرُ مُرَادٍ فِيهَا، وَقَوْلِك إنَّهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ لَا يُزِيلُ عَنْك مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُنَاقَضَةِ; لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يُخْرِجُهُ التَّأْجِيلُ مِنْ حُكْمِ اللُّزُومِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ; لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِلْكُهُ مِنْ الْأَثْمَانِ عَلَى وَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَلْزَمُك إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا؟ وَالتَّأْجِيلُ الَّذِي ذَكَرْت لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَاجِبًا مِلْكًا لِلْبَائِعِ، وَمَتَى عَجَّلَهُ وَأَسْقَطَ الْأَجَلَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ; إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فَوَاتَ الْفَيْءِ يُوجِبُ الطَّلَاقَ، وَإِذَا كَانَ الْفَيْءُ مُرَادًا فِي الْمُدَّةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فَوَاتُهُ فِيهَا مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا} فِيهِ ضَمِيرُ الْمُولِي الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ إيقَاعُ الْفَيْءِ عَقِيبَ الْيَمِينِ. وَدَلِيلٌ آخر، وهو قوله: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَلَمَّا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَاقِعَةً بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي تَرَبُّصِ الْأَقْرَاءِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ تَرَبُّصِ الْإِيلَاءِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّا لَوْ وَقَفْنَا الْمُولِي لَحَصَلَ التَّرَبُّصُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ، وَلَوْ غَابَ الْمُولِي عَنْ امْرَأَتِهِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَرْفَعْهُ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تُطَالِبْ بِحَقِّهَا لَكَانَ التَّرَبُّصُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِوَقْتٍ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَاقِعَةً بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي تَرَبُّصِ الْأَقْرَاءِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي الْإِيلَاءِ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا ذِكْرُ التَّرَبُّصِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ وَاجِبَةٌ عَنْ قَوْلِهِ وَتَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ، فَلَمَّا تَعَلَّقَتْ فِي إحْدَاهُمَا بِمُضِيِّهَا كَانَتْ الْأُخْرَى مِثْلَهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذكرناه.

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 437
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست