responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 265
التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِهِ لَا يُجْزِي عَنْ الْفَرْضِ كَذَلِكَ فِي آخِرِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا نَوَى بِصَلَاتِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَهُ كَانَ كَمَا نَوَى. وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ صَوْمَ عَيْنِ رَمَضَانَ لَا يُجْزِي عَنْ غَيْرِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ لِامْتِنَاعِ جَوَازِ صَوْمٍ آخَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَسْتَغْرِقُ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، وَالظُّهْرُ لَهَا وَقْتٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ فِعْلُهَا فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" يَمْنَعُ جَوَازَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ; لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا مُحْتَمِلًا لَمَعَانٍ مِنْ جَوَازٍ وَفَضِيلَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ، وَمَتَى تَنَازَعْنَا فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فَإِنَّ خَصْمَنَا يُوَافِقُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا نَوَى مِنْ تَطَوُّعٍ وَلَا فَرْضِ غَيْرِهِ; لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا فَرْضًا غَيْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَكُونُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى; فَحَصَلَ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى", غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَانَ صَائِمًا، وَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ كَانَ مُصَلِّيًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ فِعْلِهَا، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْفُرُوضِ وَالطَّاعَاتِ; فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ; فَسَقَطَ احْتِجَاجُ الْمُخَالِفِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى مَحْذُوفٍ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِهِ، وَمَا كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَالِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ سَاقِطٌ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" يَقْتَضِي جَوَازَ صَوْمِهِ إذَا نَوَاهُ تَطَوُّعًا، فَإِذَا جَازَ صَوْمُهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ لِاتِّفَاقِنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا نَوَى، فَوَجَبَ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى", إنْ يَحْصُلْ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَقَدْ أَلْغَيْنَا حُكْمَ اللَّفْظِ رَأْسًا، وَأَيْضًا مَعْلُومٌ مِنْ فَحْوَى قَوْلِهِ: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى", مَا يَقْتَضِيهِ نِيَّتُهُ مِنْ ثَوَابِ فَرْضٍ أَوْ فَضِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ; وَلِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وُقُوعَ الْفِعْلِ; لِأَنَّ الْفِعْلَ حَاصِلٌ مَوْجُودٌ مَعَ وُجُودِ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا وَالنِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تُصَرِّفُ أَحْكَامَهُ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَمُوجِبِهَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابِ الْفَرْضِ أَوْ الْفَضِيلَةِ أَوْ الْحَمْدِ أَوْ الذَّمِّ إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ تَقْتَضِي حَمْدَهُ أَوْ ذَمَّهُ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَخْلُو الْقَوْلُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ حُكْمِ اللَّفْظِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ أَوْ بُطْلَانِهِ وَوَجَبَ طَلَبُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ حُكْمُهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ مَضْمُونُهُ مِنْ إفَادَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ حَمْدٍ أَوْ ذَمٍّ; فَإِذَا وَجَبَ اسْتِعْمَالٌ عَلَى

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 265
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست