responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 231
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَقَدْ كَانَ هَذَا مُسَافِرًا. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي أَوَّلِهِ ثُمَّ بَرِئَ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِفْطَارُ بِقَضِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ; إذْ قَدْ حَصَلَ لَهُ اسْمُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ; فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} مَانِعًا مِنْ لُزُومِ صَوْمِهِ إذَا أَقَامَ أَوْ بَرِئَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ، وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى حَالِ بَقَاءِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، كَذَلِكَ قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} مَقْصُورٌ عَلَى حَالِ بَقَاءِ الْإِقَامَةِ، وَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ السِّيَرِ وَغَيْرُهُمْ إنْشَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ، وَصَوْمَهُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، وَإِفْطَارَهُ بَعْدَ صَوْمِهِ، وَأَمْرَهُ النَّاسَ بِالْإِفْطَارِ، مَعَ آثَارٍ مُسْتَفِيضَةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى ذِكْرِ الْأَسَانِيدِ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} مَقْصُورٌ عَلَى حَالِ بَقَاءِ الْإِقَامَةِ فِي إلْزَامِ الصوم وترك الإفطار.
وقوله تعالى: {فَلْيَصُمْهُ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ تَكَلَّمْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَحَوَاهُ مِنْ الْمَعَانِي بِمَا حَضَرَ، وَنَتَكَلَّمُ الْآنَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ في معنى قوله: {فَلْيَصُمْهُ} وَمَا حَوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَانْتَظَمَهُ مِنْ الْمَعَانِي، فَنَقُولُ: إنَّ الصَّوْمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَوْمٌ لُغَوِيٌّ وَصَوْمٌ شَرْعِيٌّ; فَأَمَّا الصَّوْمُ اللُّغَوِيُّ فَأَصْلُهُ الْإِمْسَاكُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دَوَّنَ غَيْرِهِمَا، بَلْ كُلُّ إمْسَاكٍ فَهُوَ مُسَمًّى فِي اللُّغَةِ صَوْمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: 26] وَالْمُرَادُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ، يَدُلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِيبَهُ: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم: 26] . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَخَيْلٌ صِيَامٌ يَلُكْنَ اللُّجُمَ
وَقَالَ النَّابِغَةُ:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُمَا
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: "صَامَ النَّهَارُ، وَصَامَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قِيَامِ الظُّهْرَةِ" لِأَنَّهَا كَالْمُمْسِكَةِ عَنْ الْحَرَكَةِ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْس:
فَدَعْهَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ... ذَمُولٍ إذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا
فَهَذَا مَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ.
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ يَتَنَاوَلُ ضَرْبًا مِنْ الْإِمْسَاكِ عَلَى شَرَائِطَ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَكُنِ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُهُ فِي اللُّغَةِ; وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْسَانِ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ خُلُوَّ الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُتَضَادَّاتِ حَتَّى لَا يَكُونُ سَاكِنًا وَلَا مُتَحَرِّكًا وَلَا آكِلًا وَلَا تَارِكًا وَلَا قَائِمًا وَلَا قَاعِدًا وَلَا مُضْطَجِعًا، وَهَذَا

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست