responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ت قمحاوي نویسنده : الجصاص    جلد : 4  صفحه : 370
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّكُمْ قَدْ صَدَقْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ
فَامْضُوا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَمْرِهِمْ التَّشْدِيدَ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُمْ وَأَنْ يَأْمُرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوهُمْ فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ نَحْوَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى رَدِّ تَوْبَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالتَّوْبَةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْحِكْمَةِ أَنْ لَا تُقْبَلَ تَوْبَةُ مَنْ يَتُوبُ فِي وَقْتِ التَّوْبَةِ إذَا فَعَلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ تَشْدِيدَ الْمِحْنَةِ عَلَيْهِمْ فِي تَأْخِيرِ إنْزَالِ تَوْبَتِهِمْ وَنَهْي النَّاسَ عَنْ كَلَامِهِمْ وَأَرَادَ بِهِ اسْتِصْلَاحَهُمْ وَاسْتِصْلَاحَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَعُودُوا وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى مِثْلِهِ لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِمْ بِمَوْضِعِ الِاسْتِصْلَاحِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَوْضِعُ اسْتِصْلَاحٍ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ النَّاسِ بِتَرْكِ كَلَامِهِمْ وَتَأْخِيرَ إنْزَالِ تَوْبَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ عُقُوبَةً وَإِنَّمَا كَانَ مِحْنَةً وَتَشْدِيدًا فِي أَمْرِ التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبُّدِ وَهُوَ مِثْلُ ما نقوله فِي إيجَابِ الْحَدِّ الْوَاجِبِ عَلَى التَّائِبِ مِمَّا قَارَبَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِحْنَةٌ وَتَعَبُّدٌ وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ الْوَاجِبُ بِالْفِعْلِ بَدِيًّا كَأَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بما رحبت يعنى مع سعتها وضاقت عليهم أنفسهم يَعْنِي ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ بِالْهَمِّ الَّذِي حَصَلَ فِيهَا مِنْ تَأْخِيرِ نُزُولِ تَوْبَتِهِمْ وَمِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ كَلَامَهُمْ وَمُعَامَلَتَهُمْ وَأَمْرِ أَزْوَاجِهِمْ بِاعْتِزَالِهِمْ قَوْله تَعَالَى وَظَنُّوا أَنْ لا ملجأ من الله إلا إليه يَعْنِي أَنَّهُمْ أَيْقَنُوا أَنْ لَا مَخْلَصَ لَهُمْ وَلَا مُعْتَصَمَ فِي طَلَبِ الْفَرَجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ إلَّا إلَى اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا ذلك إلا من قبله الْعِبَادَةِ لَهُ وَالرَّغْبَةِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ قَبُولَ تَوْبَتِهِمْ وَكَذَلِكَ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَنْ انْقَطَعَ إلَيْهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا كَاشِفَ لِهَمِّهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ سَيُنَجِّيهِ وَيَكْشِفُ عَنْهُ غَمَّهُ وَكَذَلِكَ حَكَى جَلَّ وَعَلَا عَنْ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وقال هذا يوم عصيب- إلَى أَنْ قَالَ- لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قوة أو آوى إلى ركن شديد فَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَمِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِينَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى كَشْفِ مَا هُوَ فِيهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى حِينَئِذٍ جَاءَهُ الْفَرَجُ فَقَالُوا إِنَّا رُسُلُ ربك لن يصلوا إليك وَقَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مخرجا وَمَنْ يَنْوِ الِانْقِطَاعَ إلَيْهِ وَقَطْعَ الْعَلَائِقِ دُونَهُ فَمَتَى صَارَ الْعَبْدُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْ إحْدَى مَنْزِلَتَيْنِ إمَّا أَنْ يُخَلِّصَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَيُنْجِيَهُ كَمَا حُكِيَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ بَلْوَاهُمْ مِثْلُ قَوْلِ أَيُّوبَ

نام کتاب : أحكام القرآن - ت قمحاوي نویسنده : الجصاص    جلد : 4  صفحه : 370
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست