responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر تفسير ابن كثير نویسنده : الصابوني، محمد علي    جلد : 2  صفحه : 276
- 16 - قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ

يُقَرِّرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا إله إلا هو لأنهم معترفون بأنه هُوَ الذي خَلَقَ السماوات وَالْأَرْضَ وَهُوَ رَبُّهَا وَمُدَبِّرُهَا، وَهُمْ مَعَ هَذَا قَدِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ يَعْبُدُونَهُمْ، وَأُولَئِكَ الآلهة لا تملك لا لِنَفْسِهَا وَلَا لِعَابِدِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى نَفْعًا وَلَا ضرا، أي لا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مَضَرَّةً، فَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ عَبَدَ هَذِهِ الْآلِهَةَ مَعَ اللَّهِ وَمِنْ عَبْدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شريك له فَهُوَ على نُورٍ من ربه؟ ولهذا قال: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} أَيْ أَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً تُنَاظِرُ الرَّبَّ وَتُمَاثِلُهُ فِي الْخَلْقِ، فَخَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَدْرُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَخْلُوقٍ غَيْرِهِ، أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُشَابِهُهُ شَيْءٌ وَلَا يُمَاثِلُهُ، وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا عدل، وَلَا وَزِيرَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَلَا صَاحِبَةَ، {تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً}، فأنكر تعالى عليهم ذلك، حَيْثُ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ وَهُوَ تَعَالَى لَا يَشْفَعُ أحد عنده إِلَّا بِإِذْنِهِ، {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ في السموات} الآية، وقال: {إِن كُلُّ مَن فِي السموات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عبدا}، فَإِذَا كَانَ الْجَمِيعُ عَبِيدًا
فَلِمَ يَعْبُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ الرأي والاختراع والابتداع فحقت كَلِمَةُ الْعَذَابِ لَا مَحَالَةَ، {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.

- 17 - أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى مَثَلَيْنِ مَضْرُوبَيْنِ لِلْحَقِّ فِي ثَبَاتِهِ وَبَقَائِهِ، وَالْبَاطِلِ فِي اضْمِحْلَالِهِ وَفَنَائِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أَيْ مَطَرًا، {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أَيْ أَخَذَ كُلُّ وادٍ بِحَسْبِهِ، فَهَذَا كَبِيرٌ وَسِعَ كَثِيرًا من الماء، وهذا صغير وسع بِقَدْرِهِ، وَهُوَ إِشارة إِلَى الْقُلُوبِ وَتَفَاوُتِهَا، فَمِنْهَا ما يسع علماً كثيراً، ومنها من لَا يَتَّسِعُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ بَلْ يَضِيقُ عَنْهَا {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً}، أَيْ فَجَاءَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الَّذِي سَالَ فِي هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ زَبَدٌ عالٍ عَلَيْهِ؛ هَذَا مَثَلٌ، وَقَوْلُهُ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} الآية، هَذَا هُوَ الْمَثَلُ

الله عنهما، كما رواه عنه البخاري، ولا ننكر الوصية بِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةٍ طَاهِرَةٍ، مِنْ أَشْرَفِ بَيْتٍ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَخْرًا وَحَسَبًا وَنَسَبًا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِغَدِيرِ خُمٍّ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي، وَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عليَّ الحوض»، وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه: وَاللَّهِ لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إليَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إليَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، لَأَنَّ إسلامك كان أَحَبَّ إليَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من إسلام الخطاب. وروى الإمام أحمد، عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا والحصين بْنُ مَيْسَرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بن أرقم رضي الله عنه، فلما جلسنا إليه قال حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ مَعَهُ وصلَّيت مَعَهُ. لَقَدْ رَأَيْتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لقد كبر سِنِّي، وَقَدِمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوهُ، وَمَا لَا فَلَا تكلفونيه، ثم قال رضي الله عنه: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أما بعد أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثقلين، أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ. وقال صلى الله عليه وسلم: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساؤه لسن من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس رَّضِيَ الله عَنْهُمْ، قال: كل هؤلاء حَرَّمَ الله عَلَيهِ الصدقة؟ قال: نعم" (أخرجه أحمد ومسلم والنسائي). وروى الترمذي، عن زيد بن أبي أرقم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَالْآخَرُ عِتْرَتِي أهل بيتي ولن يفترقا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فيهما" (أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب). وروى الترمذي أيضاً، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بيتي» (أخرجه الترمذي أيضاً وقال: حسن غريب).
وقوله عزَّ وجلَّ: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أَيْ وَمَنْ يَعْمَلُ حَسَنَةً {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أي أجراً وثواباً، كقوله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أجراً عظيماً}، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، أَيْ يَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَيُكَثِّرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَسْتُرُ ويغفر ويضاعف فيشكر، وقوله جلَّ وعلا: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ يختم على قبلك} أَيْ لَوِ افْتَرَيْتَ

نام کتاب : مختصر تفسير ابن كثير نویسنده : الصابوني، محمد علي    جلد : 2  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست