responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر تفسير ابن كثير نویسنده : الصابوني، محمد علي    جلد : 1  صفحه : 641
يَقُولُ تَعَالَى: {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} أَيْ أَطْلُبُ رَبًّا سواه، {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} يربيني وَيَحْفَظُنِي وَيَكْلَؤُنِي وَيُدَبِّرُ أَمْرِي، أَيْ لَا أَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا أُنِيبُ إِلَّا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ رب كل شيء وملكيه وله الخلق والأمر، ففي هذه الآية الأمر بإخلاص التوكل كما تضمنت التي قبلها إخلاص العبادة لله وحده لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُقْرَنُ بِالْآخَرِ كثيراً في القرآن كقوله تعالى مرشداً لعباده أن يقولوا له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين}، وقوله: {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، وَقَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}، وَقَوْلُهُ: {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً} وأشباه ذلك من الآيات. وقوله تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَزَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تُجَازَى بِأَعْمَالِهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْ خَطِيئَةِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}، وقوله تعالى: {فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً} قال علماء التفسير أي فَلَا يُظْلَمُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَلَا يُهْضَمُ بِأَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين} معناه كل نفس مرتهنة بعملها السيء إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين فإنه قد يعود بركة أعمالهم الصالحة على ذرياتهم وقراباتهم كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} أي أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ فِي أصل الإيمان، وما ألتناهم أي نقصنا أُولَئِكَ السَّادَةَ الرُّفَعَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا حَتَّى سَاوَيْنَاهُمْ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَنْقَصُ مِنْهُمْ مَنْزِلَةً، بل رفعهم تعالى إلى منزلة الْآبَاءِ بِبَرَكَةِ أَعْمَالِهِمْ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} أَيْ مِنْ شَرٍّ، وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أَيِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَسَتُعْرَضُونَ وَنُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَيُنْبِئُنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَعْمَالِنَا وَأَعْمَالِكُمْ، وَمَا كُنَّا نَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الدار الدنيا كقوله: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عما تعلمون * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بالحق وَهُوَ الفتاح العليم}.

- 165 - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

يَقُولُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الْأَرْضِ} أي جعلكم تعمرونها جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَخَلَفًا بعد سلف، كقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}، وكقوله تعالى: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأرض}، وقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ في الأرض خليفة}، وَقَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، وَقَوْلِهِ: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، أَيْ فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوي، وَالْمُنَاظِرِ وَالْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ، كقوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً}، وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}، وقوله تعالى: {لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} أَيْ

نام کتاب : مختصر تفسير ابن كثير نویسنده : الصابوني، محمد علي    جلد : 1  صفحه : 641
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست