responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3730
عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد- وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير.
وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! أما أين يقف ذلك الحرس؟ ومن هو؟ وكيف يرجم الشياطين بالشهب؟ فهذا كله مما لم يقل لنا عنه القرآن ولا الأثر شيئا، وليس لنا مصدر سواهما نستقي منه عن هذا الغيب شيئا ولو علم الله أن في تفصيله خيرا لنا لفعل. وإذ لم يفعل فمحاولتنا نحن في هذا الاتجاه عبث لا يضيف إلى حياتنا ولا إلى معرفتنا المثمرة شيئا! ولا مجال كذلك للاعتراض أو الجدل حول الشهب، وأنها تسير وفق نظام كوني، قبل البعثة وبعدها ووفق ناموس يحاول علماء الفلك تفسيره، بنظريات تخطئ وتصيب. وحتى على فرض صحة هذه النظريات فإن هذا لا يدخل في موضوعنا، ولا يمنع أن ترجم الشياطين بهذه الشهب عند انطلاقها. وأن تنطلق هذه الشهب رجوما وغير رجوم وفق مشيئة الله الذي يجري عليها القانون! فأما الذين يرون في هذا كله مجرد تمثيل وتصوير لحفظ الله للذكر من الالتباس بأي باطل وأنه لا يجوز أن يؤخذ على ظاهره.. فسبب هذا عندهم أنهم يجيئون إلى القرآن بتصورات مقررة سابقة في أذهانهم، أخذوها من مصادر أخرى غير القرآن. ثم يحاولون أن يفسروا القرآن وفق تلك التصورات السابقة المقررة في أذهانهم من قبل.. ومن ثم يرون الملائكة تمثيلا لقوة الخير والطاعة. والشياطين تمثيلا لقوة الشر والمعصية. والرجوم تمثيلا للحفظ والصيانة ... إلخ لأن في مقرراتهم السابقة- قبل أن يواجهوا القرآن- أن هذه المسميات: الملائكة والشياطين أو الجن، لا يمكن أن يكون لها وجود مجسم على هذا النحو، وأن تكون لها هذه التحركات الحسية، والتأثيرات الواقعية!!! من أين جاءوا بهذا؟ من أين جاءوا بهذه المقررات التي يحاكمون إليها نصوص القرآن والحديث؟
إن الطريق الأمثل في فهم القرآن وتفسيره، وفي التصور الإسلامي وتكوينه.. أن ينفض الإنسان من ذهنه كل تصور سابق، وأن يواجه القرآن بغير مقررات تصورية أو عقلية أو شعورية سابقة، وأن يبني مقرراته كلها حسما يصور القرآن والحديث حقائق هذا الوجود. ومن ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن.
ولا ينفي شيئا يثبته القرآن ولا يؤوله! ولا يثبت شيئا ينفيه القرآن أو يبطله. وما عدا المثبت والمنفي في القرآن، فله أن يقول فيه ما يهديه إليه عقله وتجربته..
نقول هذا بطبيعة الحال للمؤمنين بالقرآن.. وهم مع ذلك يؤولون نصوصه هذه لتوائم مقررات سابقة في

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3730
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست