نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3215
«وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ» ..
فتعرضوا للاختبار بهذه الآيات، التي آتاهم الله إياها للابتلاء. حتى إذا تم امتحانهم، وانقضت فترة استخلافهم، أخذهم الله بانحرافهم والتوائهم، وبنتيجة اختبارهم وابتلائهم، فضربهم بمن يشردهم في الأرض، وكتب عليهم الذلة والمسكنة، وتوعدهم أن يعودوا إلى النكال والتشريد كلما بغوا في الأرض إلى يوم الدين..
وبعد هذه الجولة في مصرع فرعون وملئه، ونجاة موسى وقومه، وابتلائهم بالآيات بعد فتنة فرعون وأخذه..
بعد هذه الجولة يعود إلى موقف المشركين من قضية البعث والنشور، وشكهم فيها، وإنكارهم لها. يعود ليربط بين قضية البعث وتصميم الوجود كله وبنائه على الحق والجد، الذي يقتضي هذا البعث والنشور:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ. فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ. وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» .
إن هؤلاء المشركين من العرب ليقولون. ما هي إلا الموتة التي نموتها، ثم لا حياة بعدها ولا نشور. ويسمونها «الْأُولى» بمعنى السابقة المتقدمة على الموعد الذي يوعدونه للبعث والنشور. ويستدلون على أنه ليس هناك إلا هذه الموتة وينتهي الأمر. يستدلون بأن آباءهم الذين ماتوا هذه الموتة ومضوا لم يعد منهم أحد، ولم ينشر منهم أحد ويطلبون الإتيان بهم إن كان النشور حقا وصدقا.
وهم في هذا الطلب يغفلون عن حكمة البعث والنشور ولا يدركون أنها حلقة من حلقات النشأة البشرية، ذات حكمة خاصة وهدف معين، للجزاء على ما كان في الحلقة الأولى. والوصول بالطائعين إلى النهاية الكريمة التي تؤهلهم لها خطواتهم المستقيمة في رحلة الحياة الدنيا والوصول بالعصاة إلى النهاية الحقيرة التي تؤهلهم لها خطواتهم المنتكسة المرتكسة في الحمأة المستقذرة.. وتلك الحكمة تقتضي مجيء البعث والنشور بعد انقضاء مرحلة الأرض كلها وتمنع أن يكون البعث لعبة تتم حسب رغبة أو نزوة بشرية لفرد أو لجماعة محدودة من البشر كي يصدقوا بالبعث والنشور! وهم لا يكمل إيمانهم إلا أن يشهدوا بالغيب على هذه القضية، التي يخبرهم بها الرسل ويقتضيها التدبر في طبيعة هذه الحياة، وفي حكمة الله في خلقها على هذا الأساس. وهذا التدبر وحده يكفي للإيمان بالآخرة، والتصديق بالنشور.
وقبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع.
والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية. ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيرا كهذا المصير:
«أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ» ..
وفي ظل هذه الذكرى، وارتجاف القلوب من تصورها، يقودهم إلى النظر في تصميم السماوات والأرض وتنسيق هذا الكون وما يبدو وراء هذا التنسيق من قصد وصدق وتدبير:
«وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ، ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3215