نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3174
تعرض هذه السورة جانبا مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات ومن جدال واعتراضات.
وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس وكيف يقرر في ثنايا علاجها حقائقه وقيمه في مكان الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلية الزائفة، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك، ولا يزال جانب منها قائما في النفوس في كل زمان ومكان.
كانت الوثنية الجاهلية تقول: إن في هذه الأنعام التي سخرها الله للعباد، نصيبا لله، ونصيبا لآلهتهم المدعاة. «وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً. فقالوا: هذا لله- بزعمهم- وهذا لشركائنا. فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم» .. وكانت لهم في الأنعام أساطير شتى وخرافات أخرى كلها ناشئ من انحرافات العقيدة. فكانت هناك أنواع من الأنعام محرمة ظهورها على الركوب- وأنواع محرمة لحومها على الأكل: «وقالوا: هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء- بزعمهم- وأنعام حرمت ظهورها، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه» ..
وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقادية ورد النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق الأولى.
فالأنعام من خلق الله، وهي طرف من آية الحياة، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعا. وقد خلقها الله وسخرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليهم ويشكروها لا ليجعلوا له شركاء، ويشرعوا لأنفسهم في الأنعام ما لم يأمر به الله بينما هم يعترفون بأن الله هو الخالق المبدع ثم هم ينحرفون عن مقتضى هذه الحقيقة التي يقرون بها، ويعزلونها عن حياتهم الواقعة، ويتبعون خرافات وأساطير: «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن: خلقهن العزيز العليم، الذي جعل لكم الأرض مهدا، وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون، والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا، كذلك تحزجون، والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، لتستووا على ظهوره، ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه، وتقولوا:
سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون» ..
وكانت الوثنية الجاهلية تقول: إن الملائكة بنات الله ومع أنهم هم يكرهون مولد البنات لهم، فإنهم كانوا يختارون لله البنات! ويعبدونهم من دونه، ويقولون: إننا نعبدهم بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهم! وكانت مجرد أسطورة ناشئة من انحراف العقيدة.
وفي هذه السورة يواجههم بمنطقهم هم ويحاجهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح، حول هذه الأسطورة
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3174